للمستقبل ويحملها على العمل، وكذلك المستعمرة تقدم للأمم المستعمرة دافعا جديداً للحياة والكفاح.
بعد أن ألقينا هذه النظرة العامة عن غايات الاستعمار ومراسيها نستطيع أن ننتقل إلى بحث (سياسة التعليم) في الاستعمار.
إن هذه السياسة تتجلى في ثلاثة أنواع من المعاهد التعليمية
أولا - المعاهد التي يؤسسها المستعمر في وطنه الأصلي لخدمة الاستعمار.
ثانيا - المعاهد التي يؤسسها المستعمر في المستعمرات لتربية أبنائه.
ثالثا - المعاهد التي يؤسسها في المستعمرات لتربية أولاد الأهلين في القطر المستعمَر.
فالنوع الأول من المعاهد التعليمية الاستعمارية سيبقى خارجاً عن نطاق بحثنا هذا، أما النوع الثاني من المعاهد التعليمية التي ينشئها المستعمر في المستعمرات لتربية أولاده فهي أيضاً لا تستدعي اهتمامنا كثيراً لأنها تشبه بوجه عام المعاهد التعليمية التي تنشأ في الوطن الأصلي ولا تختلف عنها إلا من حيث زيادة بعض الدروس لإعداد أولاد المستعمرين للقيام بأعمال استعمارية.
والمهم أن ندقق في النظم التي يرسمها المستعمر لتعليم أولاد الأهلين في المستعمرات وأن نستعرض السياسات المختلفة التي ابتدعت في ذلك. إن أقدم هذه السياسات كانت السياسة السلبية في التعليم، وهي تتلخص في عدم تعليم أحد من أبناء الأهلين، وقد ترمي إلى بذل الجهد في محو المتعلمين، وهذه سياسة تجلت بوضوح تام في أوائل القرن التاسع عشر في أمريكا.
ففي أمريكا الجنوبية عندما ثار الأهلون على المستعمرين الأسبانيين كتب القائد العام إلى مليكه يبشره بانتصار جيشه في إحدى المعارك، وكان مما قال في تلك الرسالة التاريخية: (إنه عامل المتعلمين من أبناء البلاد معاملة العصاة وقضى عليهم قضاء ومحاهم محواً، وإنه استأصل بهذه الصورة فكرة التمرد والعصيان من جذورها استئصالاً تاماً). وحتى في أمريكا الشمالية مثلا كان يحظر في الولايات المتحدة الأمريكية تعليم الزنوج القراءة والكتابة؛ وكان كل أبيض يعلم زنجياً يعاقب بالحبس والجلد. وعلى هذا المنوال كانت سياسة الاستعمار في التعليم بادئ ذي بدء في موقف عدائي مطلق تسعى إلى عدم التعليم،