إن الخطط التي وضعها المستعمرون في هذا الباب مختلفة باعتبار المشاكل العديدة التي يريدون حسمها فيعمدون لتحقيق كل مأرب من مآربهم بخطة منها. ومما يلفت النظر انتباههم إلى أمر انتقال الطلاب من أبناء المستعمرات من بلد إلى آخر حيث يقتبسون آراء جديدة ويستفهمون نزعات حديثة، لذلك عمدوا إلى تدابير يقدرون من ورائها فصل الأقطار عن بعضها لجعلها مختلفة اللغة.
فقد أخذ الفرنسيون في المغرب يفرقون بين البربر والعرب وغيرهم بحرمان البربر من تعلم اللغة العربية حتى يجعلوهم بعيدين عن التأثر بالمدارس التي تدرس العربية أو ما يكتب بهذه اللغة في الأقطار الأخرى.
وهناك فكرة أحيت بعض الأمل في نفوس المستعمرين وهي السعي لنشر اللغة العامية، وهذه الوسيلة تباعد بين الأقطار العربية وتسهل على المستعمرين أغراضهم. وقد بثوا لهذه الفكرة دعايات منوعة: دعايات بدأها المستعمرون فانطلت مع الأسف على بعض أبناء البلاد المستعمرة إذ أن بعضهم خدعوا بها وروجوا لها، وقد طلا المستعمرون هذه المكيدة تحت عنوان نشر التعليم بين طبقات الشعب وقالوا (ما دام الجمهور في الأقطار العربية لا يعرف اللغة الفصحى غالباً، فيجب تعليمه بلغته المحلية العامية. ولماذا نضيع عليه الوقت في تعليم الفصحى وقواعدها الكثيرة وأساليبها العويصة؟) وقد وجدت هذه الفكرة بعض الأنصار ولا يزال لها مؤيدون في بعض الأقطار العربية مع إنها وليدة الاستعمار!
ومن حسن حظ الأمة العربية أن هذه الفكرة لم تعمر كثيراً في حينها. مع هذا نجد بعض الأوربيين قد أخذوا يعودون إلى هذه الفكرة وصاروا يعتقدون بأن السينما الناطقة والراديو من المسائل التي ستجبر البلاد العربية على أن تفسح مجالاً أوسع للغة العامية لأن التمثيل والكلام باللغة العامية يرضي الدهماء أكثر من الفصحى؛ فيجب علينا نحن أن ننتبه إلى هذا الخطر الأخير خطر انتشار اللغة العامية كما يشتهيه المستعمرون، وهذا الخطر الذي يتمثل أمامنا ربما كان خطراً كبيراً لأن الموضوع يخالطه شيء كثير من المنفعة المادية: لأن التمثيل بالغة العامية يكسب الممثلين أكبر عدد من النظارة، ولا ريب في أن على كل مفكر عربي أن يحارب هذا السلاح الأخير الذي يرجو منه المستعمرون خيراً عظيماً لمقاصدهم