أيدي الاستعمار. وقد بذلت الدول المستعمرة جهودها في وضع نظام للتعليم على هذا الأساس، بجعل التعليم وسيلة ميكانيكية بحتاً إذ يكون لغايات محدودة معينة بدون أن يدخل على هذا التعليم أي عنصر من عناصر الثقافة العامة. وقد تقننوا في إيجاد هذه الأساليب وابتكار طريقة خبيثة لتدريب أبناء المستعمرات على أن يكونوا مسامير في صفحة خشبية، أو عجلات في آلة ميكانيكية، محرومين من أي لون من ألوان الثقافة العامة
وهكذا اتفقت سياسة الاستعمار التعليمية على وجوب الأخذ بالتعليم بدون تثقيف، وهذا آخر ما وصلوا إليه لحل معضلة التعليم في المستعمرات. وقد بدأ المستعمرون من يوم تفتحت قرائحهم بهذا الابتكار يجاهدون في تحقيق غاياتهم، وقد أرادوا أن يموهوا على الناس ويستروا مقاصدهم المعلومة تحت أستار حيل مختلفة، فقالوا بأن هذا النوع من التعليم الابتدائي والعملي هو الذي يفيد أولاد المستعمرات أنفسهم؛ وادعوا بأن التعليم الثانوي والعالي وكل نوع من أنواع التعليم الأوربي بغير الأهلين؛ وقد بذلوا جهوداً عظيمة ليقنعوا الأهلين بذلك، وقاموا بدعايات كثيرة نشروها لبث هذه الفكرة وتوجيه الأمم المستعمرة إلى هذا الضرب من التعليم
مع هذا جابه المستعمرون مشاكل كبيرة: جوبهوا بحقيقة مرة وهي تعذر السيطرة التامة على التعليم في المستعمرات، إذ في وسع ابن المستعمرات الذي يرغب في التعليم ولا يجد في بلاده العلم الذي يريده أن يقصد إلى بلد آخر في طلب العلم
ويجدر بنا أن نذكر في هذا الصدد المناقشات التي جرت في إيطاليا لمعالجة مسألة التعليم في طرابلس الغرب، فعندما أقدموا على إلغاء المدارس الثانوية والعالية والدينية قال أحد رجال التربية في روما خلال مناقشة لهذا الموضوع: إنني لا أوافق على إلغاء هذه المدارس، إذ يجب أن نعلم أننا إذا ألغينا هذه المدارس لا نستطيع أن نمنع الذين يريدون الذهاب من أبناء طرابلس الغرب إلى الجامعة الزيتونية في تونس أو الجامع الأزهر في مصر، وهؤلاء الشبان يحتكون هناك بشبان من أمم مختلفة ويتلقون ثقافات واردة من أنحاء العالم ويرجعون بأفكار أشد وبالاً على سياستنا الاستعمارية. فخير من إلغاء هذه المدارس إذا أن نحدد التعليم في داخل طرابلس الغرب لنؤسس مدرسة عالية نحدد تعليمها ونجعل النشء مرتبطين بها فلا يضطرون إلى السفر إلى الخارج في طلب العلم ويعودون إلى