للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهكذا نجد الاستعمار بعد أن ترك السياسة السلبية في التعليم التي وصفناها سلك طريقاً آخر يمكننا أن نسميه: (التعليم لتسهيل عمل الاستعمار)

على إن التجارب القاسية لقصر التعليم على خدمة الاستعمار وحده قد أسفرت عن نتائج سيئة إذ ما عتمت أن أحدثت رد فعل عند أولاد المستعمرات فقد تغيرت أحوالهم بعد مدة قليلة أو كثيرة من تخرجهم من المدارس، وبدلاً من أن يكونوا مطبوعين على حب المستعمر يتفانون في سبيل خدمته وفق الثمرة التي كانت مرجوة من التعليم الاستعماري، أصبحوا على نقيض ذلك يكرهونه ويكافحونه. فأسقط في أيدي المستعمرين وطفق ساستهم وعلماؤهم يفكرون في الموضوع ويدرسونه فيجدون أنفسهم كلما أمضوا في تعليم أولاد المستعمرات بطرائق تضمن محبة الأهلين لهم، تذهب الجهود سدى، إذ لا يلبث أكثر هؤلاء الأولاد بعد تخرجهم أن يقلبوا للمستعمر ظهر المجن، ففكر علماء المستعمرين في هذه المعضلة فوجدوا أن هذه نتيجة طبيعية، لأن ابن المستعمرات إذا ما قرأ تاريخ الأمة المستعمرة ودرس الثورات وقف على مطالب الشعب من الحكومة يتحمس بهذا الحس برغم أنف المستعمر فيشب راغباً في تطبيق ما درسه. وهكذا تطورت آراء المستعمرين في سياسة التعليم ووقعوا في حيرة مربكة لا يدرون ماذا يفعلون.

هل يركنون في المستعمرات إلى عدم التعليم؟ ولكنهم يعلمون إن عدم التعليم لا يمكنهم من استغلال البلاد المستعمرة، إذ يجبر المستعمر في تلك الحالة على ممارسة الاستغلال في المستعمرات بقواه الذاتية فيضطر إلى الإتيان بالعمال من وطنه الأصلي وهو لا يجد في أمته العدد الكافي منهم، وإذا وُجد فاستقدامهم إلى المستعمرات وتشغيلهم فيها يكلفه كثيراً فيغدو المنتوج الاقتصادي أغلى سعراً بحيث لا يستطيع أن ينافس منتوجات غيره في الأسواق العالمية، ومن ناحية أخرى لا يمكن أن يكون العامل مفيداً في أي عمل ما لم يكن قد أخذ بنصيب من التعليم في عصر الصناعة الذي نعيش فيه.

وقد ظل المستعمرون في حيرة من هذه المشكلة: التعليم في المستعمرات يؤدي إلى ثورة الأهلين عليهم، وعدم التعليم في المستعمرات يعيقهم عن الاستغلال! ففكروا كثيراً وأخيراً وجدوا ضالتهم بطريقة مبتكرة في سياسة التعليم وهي: (التعليم بغير تثقيف). فقالوا نعلم أولاد المستعمرات من غير أن نثقفهم. نعلمهم تعليماً ضيقاً جداً يجعلهم آلات صماء في

<<  <  ج:
ص:  >  >>