للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجنون شيء. أمر يحير الباحث ويغيظه، فهو دائماً ينتظر النتائج الواحدة تأتي من المقدمات الواحدة، وقد اتحدت المقدمات هنا فكيف اختلفت نتائجها؟ لقد ضاع اتساق العلم وانسجامه، لا في هذه الكلاب وحدها، بل في الخنازير والأرانب كذلك، فقد يصاب من الستة الأرانب المحقونة اثنان، يمدان برجليهما الخلفيتين إلى الوراء من الشلل، ثم يموتان بعد ارتجاجات من الصرع عنيفة، أما الأربعة الباقية فتظل قائمة تقضم الحشيش قضماً، فكأنما جرثومة الكلب لم تخلط دمها أبداً

وذات يوم خطرت فكرة على بستور، فأسرع إلى رو يحدثه بها، قال: (إن جرثومة الكلب تدخل أجسام الناس بالعض عن طريق الجلد، ثم هي تستقر بعد ذلك في أمخاخهم وقفار ظهورهم. . . . إن كل الأعراض تدل على أن هذه الجراثيم التي لا نراها ولا نستطيع كشفها تغير دائماً على الجهاز العصبي. ففي هذا الجهاز العصبي إذن يجب أن نبحث عن هذه الجرثومة. .

ومن هذا الجهاز قد نستطيع تزريعها وتربيتها حتى ولو لم نرها. . . ولعلنا نستطيع أن نتخذ من مخ الحيوان طعاماً لها فننمّيها في جمجمته بدلاً من قبابة الحساء. أن نتخذ من الجمجمة والمخ قبابة وحساء أمر غريب، ولكن من يدري؟. . . ثم إننا اعتدنا أن نحقن الرُّغاء الخبيث تحت جلد هذه الأرانب والخنازير، فما أدرانا أن الجرثومات التي به لا تضيع في أجسام هذه الحيوانات قبل وصولها إلى أمخاخها، لوددت والله أن أرشق هذه الجراثيم مباشرة في هذه الأمخاخ رشقاً)

أنصت رو لهذه الأحلام، وانفتحت عيناه وسعهما ولمعتا لهذه الخيالات. . . لو أن رجلاً غير رو سمعها لظن بستور أصابه مس من جنون. يريد أن يتخذ من مخ الكلاب والأرانب بديلاً من الأحسية! ويريد أن يتخذ من جماجمها بديلا من القبابات! أي عبث هذا وأية خرافة تلك! أما رو فكان أفهم لبستور من أن يظن به خبالاً. قال: (وما منعك من وضع المكروب في مخ الكلب مباشرة يا سيدي الأستاذ؟ أنا أستطيع أن أثقب لك به ثقباً صغيراً لا يؤلم الكلب ولا يفسد مخه. وهذا أمر علي يسير. . .)

فصرخ بستور في وجه رو حتى أخرسه. ولم يكن بستور طبيباً، فلم يدر إن الطبيب يستطيع أن يفعل هذا حتى في الإنسان وهو آمن. لهذا أجزعته الفكرة جزعاً كبيراً. (ثقب

<<  <  ج:
ص:  >  >>