يخترق جمجمة الكلب إلى مخه! يا للفظاعة! والكلب كيف يكون ألمه؟ والمخ بعد هذا كيف يكون صلاحه، إن الكلب يشل حتما! لا، لا آذن بهذا؟)
حنان قلب بستور كاد يفقده أكبر كشف أتاه، ويضيّع عليه بل على الإنسان أثمن تحفة أهداها إياه. وأمام هذه التجربة القاسية الغريبة خارت من بستور قواه، ولكن رو، رو الأمين لسيده، رو الذي نسيه اليوم الناس أو كادوا، رو هذا قام يحمي سيده من خور نفسه، فنجاه بأن عصاه. ذلك أنه اصطبر أياماً قلائل حتى غادر بستور المعمل لبعض حاجته، وعندئذ قام إلى كلب سليم فشممه قليل من الكلوروفورم حتى أفقده الإحساس، ثم ثقب رأسه ثقباً كشف عن مخه الحي، فكان يدق بالنبض دقاً بيناً، ثم أتى بقليل من مخ كلب كان قد مات مكلوباً فسحقه وحقن سحيقه في مخ الكلب النائم برفق شديد وهو يقول لنفسه:(لا شك إن سحيق هذا المخ مليء بمكروب الكلَب، فلعله مكروب دقّ فلم يكن باستطاعتنا أن نراه)
وأصبح الصباح فأخبر بستور بالذي كان. فصاح بستور فيه:(ويلك ماذا صنعت بالكلب المسكين! أين المخلوق التعيس. . . لا شك إنه شل. . . لا شك أنه يموت. . .)
ولكن رو كان سبق فنزل بسرعة على السلم، وفي لحظة عاد والكلب ينط أمامه، وإذا بالكلب يتمسح بساقي بستور، ثم يدور يتشمم بين قبابات الأحسية القديمة تحت مناضد المعمل. عندئذ أدرك بستور قدر رو ومبلغ ذكائه. وأدرك كذلك أن طريقاً جديداً للتجربة أنفتح أمامه. ولم يكن بستور يغرم بالكلاب، ومع هذا فإن اغتباطه بالذي سمع ورأى أغراه بملاعبة هذا الكلب خاصة. قال لسانه:(أهلا بكلبي العزيز! أهلا بسيد الكلاب). وقالت أحلامه:(إن هذا الكلب سيثبت أن فكرتي عن هذا الداء صائبة)
ولم يمض أسبوعان حتى تحققت أحلامه، فسيد الكلاب أخذ يعوي عواء أليماً حزيناً، وصار يمزق فراشه ويعض قفصه، ثم مات بعد أيام، نعم مات هذه الميتة القاسية، ولكنه ماتها ليحيا من بعده على نحو ما سنعلم ألوف من الناس كانت تموت مثل ميتته
بهذه الطريقة اهتدى بستور ورو وشمبرلاند أخيراً إلى نقل هذا الداء إلى الحيوانات نقلا أكيداً؛ أعني إنهم إذا حقنوا المكروب في مائة كلب أو خنزير أو أرنب أصاب الداء المائة كلها، وكأني بك تستمع إلى بستور يقول لصاحبيه: (إنّا لا نستطيع أن نرى المكروب ولا بأقوى العدسات، فلا بد أن هذا يرجع إلى شدة صغره. ولسنا نعرف طريقة واحدة لتربيته