للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كافة الألوان والأجناس، يقبلون في لهفة على لثم الحجر الأسود، وهو رمز تاريخي للإسلام، كان الرسول الكريم يتبرك به ويقبله؛ وتبعه في ذلك الخلفاء الراشدون، وظلت تلك العادة متبعة للآن؛ وقد حاولت ولقد حاولت مراراً أن أقترب منه فكان يبعدني عن بلوغه كثرة الزحام، وبعد مشقة لمست بيدي سطحه الرمادي الأملس، ولكن ما كدت ألثمه حتى رأيت سيدة من أهالي فرجانة تقع على الأرض إثر صدمات عنيفة من الخلف، وكانت تحمل على ظهرها طفلتها المسكينة التي ستصبح حاجة بعد حين، ولقد قدمت هذه المرأة التقية إلى الحج ممتطية صهوة جواد مع بقية أفراد أسرتها، من بلدها في أواسط آسيا فاستغرق سفرهم أربعة أشهر؛ ولقد أخبرتني هذه الحاجة أنها كانت تدخر لهذه الزيارة المقدسة من سنوات بعيدة، وأخيرا حققت حلمها وكانت مبتهجة أشد الابتهاج

وقمت بعد ذلك للسعي بين الصفا والمروة، وهناك نالني كثير من الشقاء والعناء، فجلست بجوار حلاق أخذ يقص خصلة من شعري المبعثر عملاً بالسنة الشريفة، ولبثت في انتظار مطوفي ليأخذني إلى جبل عرفات

إن اللقاء على جبل عرفات لهو الغرض الأساسي تقريباً للحج، فالحجاج الذين يفدون إلى جدة متفرقين، يجتمعون كلهم في يوم واحد ويحشرون إلى صعيد واحد، وهنا تظهر عظمة الدين الحنيف وحكمته، فقد كان مجموع الحجاج فوق عرفات لا يقل عن خمسين ألفاً، مع إن مكة بمساحتها الشاسعة لا تستطيع أن تأوي مثل هذا العدد الوافر

وجبل عرفات من أجمل جبال العالم، يصل الماء إليه من (عين زبيدة) في أنابيب، وهو عمل عظيم في ذاته، لأنه يخفف من متاعب الحجاج للحصول على الماء. وهناك تل يطلقون عليه (جبل الرحمة) به مصلى كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي فيه

ولقد رأيت الحرس الوهابي يقيم على تلك البقعة ليمنع الحجاج من إقامة الصلاة بالقرب منها، كما إنهم يحرمون على الحجاج السجود أمام العمد الحجرية المسندة إليها

والوهابيون يعارضون أشد المعارضة في تدخين التبغ، ولكني رأيت أن هذه العادة تكاد تتلاشى، وألفيت كثيراً من الناس يدخنون في الطرق العامة حتى في الجبل وبجوار المصلى، كما أبطلوا عادة الخطابة التي كانت تلقى على ظهر البعير

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>