الحياة، وحين شفاهم من تشاؤمهم ورفع نفوسهم التي أوشكت أن تنحني تحت أثقال الكآبة والسآمة، جمعهم تحت جنح الظلام أمام المغارة تحت قبة السماء
(جلسوا صامتين متهيبين. كلهم في سن الكهولة ولكن قلوبهم تفيض قوة وحياة، وكل منهم راضٍ بنفسه عن نفسه إذ غدا شيئاً صالحاً على الأرض، وكان سكون الليل المفعم بالأسرار يناجي قلوبهم. عند ذلك تمت أعجوبة الأعاجيب. فالإنسان الأكثر قبحاً جلس ينفخ للمرة الأخيرة، وحين دعاه داعي الكلام قال: هذا السؤال الذي خرج من فمه طاهراً نقياً عميقاً، وجميع من كان حوله يصغون إليه أحسوا إن قلوبهم تهتز وتخفق طرباً
قال: (هأنا - لأول مرة - غدوت راضياً عن حياتي
جميلة الحياة على الأرض. إن يوماً واحداً، إن عيداً واحداً مع زرادشت علماني بأن أحب الأرض
سألت الموت: هل - هنالك - الحياة؟
ألا لتأت مرة أخرى
أصحابي! ألا تريدون أن تقولوا للموت مثلي: هل هنالك الحياة؟ وفي سبيل محبة زرادشت لتكن مرة أخرى)
أفلح إذ ذاك زرادشت. فإن الرجل الأكثر قبحاً، والمسخ الذي قتل بعضه الإله، الذي يتمثل فيه كل قبح وشر وسوء في الإنسانية قد تلقى الآن جمال الحياة، وأدرك أن الألم هو فدية لا مندوحة منها للسعادة، فقال: - بلى للوجود. وبينما كان النبي محاطاً بأتباعه، يتذوق خمرة هذا النصر كان يتهادى ناقوس قديم ذي رنين حاد يعلن ببطء - مجيء نصف الليل - أن نصف الليل هو الساعة الواحدة التي يلتقي فيها النهار الذي انتهى بالنهار الذي سيبتدئ، حيث يصافح الموت الحياة. نصف الليل هو ساعة الصمت الأكبر، حيث النفس المتأملة تتفتح لها التأملات والأسرار الخفية. وبينما كان الناقوس القديم، الرسول الذي يقرع لأفراح الإنسانية وأوجاعها، يعلن بدقاته الأثنتي عشرة عن تلك اللحظة التي يجوز فيها الموت إلى الحياة؛ نرى زرادشت يترك رجاله السامين يلمحون الفكرة الكبرى للرجعة الدائمة غارقة في الألغاز كأنها مزمور رمزي ممطر بالنشوة الدينية