وقد يشاهد أن الرجعة الدائمة أخذت تظهر في بعض اللحظات ككابوس شيطاني يملأ قلبك رعباً ويقف دقات قلبك، وقسوته على المنحطين والأشقياء بدأت الآن ترتدي غير رداء، وقد وضح ما يريد في صيحته هذه (ليموتوا سريعاً. ليقتلوا أنفسهم، أو ليقتلوا، هؤلاء المنحطون. . . .!! من قبل أن يتمكنوا من قياس هاوية الآلام التي غرقوا فيها، وقبل أن يفقهوا معنى القدر الوحشي الذي يقضي عليهم بان يجرجروا صلبانهم بدون أمل في نجاة، وإذ ذاك تفهم إذا كانت الإنسانية في استطاعتها أن تتحمل هذا المذهب دون أن تزل سريعاً في هاوية اليأس والخوف، أو أن تعتبر فكرة العودة الدائمة كابتلاء يهوى به من لا تصلح حيويتهم
لابد من قوة نفسية خارقة لاحتمال فكرة العودة الدائمة وهذا هو صاحب هذه القوة النفسية يستطيع أن يقول (إذا لم يكن للحياة معنى بذاتها فأنا أعطيها معنى. إنما أنا قطعة من الطبيعة تريد أن تكون دائماً جديدة، تسعى بدون سأم ولا نصب إلى ما لا نهاية في الحلقة ذاتها. إنني سأرتفع وأصعد حتى يتسنى لي أن أتأمل كفنان روعة الحياة المخصبة التي لا تفهم. وسأهتز طرباً إلى لعبة هذه القوى التي أنتجت وحصلت كثيراً من الآثار اللطيفة الرائعة. والتي ولدت الإنسان وستلد السوبرمان. سأتمنى بكل قلبي وإيماني من القوة العمياء أن تبدع شيئاً لامعاً ساطعاً يسمو على الإنسان. وسأحيا يراودني هذا الأمل، وسأجعل وجودي كله وعاء لهذه الفكرة. أريد أن للدائرة التي تتحرك فيها الحياة تحور إكليلا باهراً زاهراً. سأقضي حياتي فرحاً مرحاً، راجياً أن يؤول دوري الذي أمثله إلى نتيجة حسنة. وإذا خسرتُ - في هذا الدور - فلي رجاء كبير فيمن يليني ويأتي بعدي. وهكذا لا يتلاشى من الوجود ضياء الحياة ولا يكفهر. وهكذا الإنسان المأخوذ بهذه الفكرة التي تزيده نشوة، يصبح في حالة يبصر فيها هزائمه وانكساراته كفدية يسيرة لأفراحه وانتصاراته. يجدها كالنخس الذي يدفعه دائماً إلى التعالي والتسامي، إلى تفوقه على نفسه. وهكذا إذا رجع إلى محاسبة نفسه يرى إن مقدار سروره كان أرجح من مقدار ألمه وإذ ذاك يرضى بكل حمية وشوق فكرة الحياة الخالدة، وفكرة القبول بالحياة التي يكررها إلى الأبد
ولهذه النتيجة تسامى أولئك الرجال المسلمون الذين جمعهم زرادشت في مغارته. فحين عرض عليهم تعاليمه الجديدة وفضائله الجديدة، وفتح عيونهم على جمال الحياة وروعة