أصيب فيها إنسان أو حيوان بهذا الداء ثم اشتَفى. أن هي إلا أعراضه تظهر على المريض، وتبلغ جرثومة الداء إلى نخاعه ومخه، حتى يضيع فيه الرجاء. وأي جرثومة فتّاكة قتّالة! وهذه الجرثومة يا سيدي هي التي حملها بستور وأصحابه عارية على أطراف مشارطهم تكاد تهمّ أن تسقط البلاء عليهم. هذه الجرثومة هي التي مصها بستور وأعوانه في أنابيب الزجاج حتى بلغت إلى شفاههم إلا بوصة واحدة، وإلا قطعة من القطن فصلت بينها وبين أفواههم
وفي ظلمة اليأس الذي هم فيه أشرقت بارقة من الأمل؛ وفي صموت الكآبة التي هم فيها سمعوا نغمة موسيقية حلوة بعثت فيهم الرجاء. ذلك أنهم ذات يوم وجدوا كلباً من الكلاب حُقنت بالمادة الوبيئة شُفي بأعجوبة بعد أن ظهرت عليه أعراض الداء من ارتعاد وعواء، وبعد أسابيع قاموا في لهفة إلى هذا الكلب، وهو أول مشتفِ من هذا الداء، فحقنوا الوباء في مخه حقناً، ولكن ما أسرع ما أندمل جرح رأسه! وتربص بستور به الموت، ولكن الموت لم يأته، وظل أشهراً يلعب ناشطا في قفصه وقد تمت حصانته كل التمام
قال بستور لرجاله:(الآن أنفتح لنا ما استغلق، وعلمنا أن لنا أملاً في النجاح. . . أن الحيوان إذا جاءه داء الكلب ثم أشتفى منه فلن يعود إليه هذا الداء من بعد ذلك. . . فلم يبق علينا إلا أن نجد طريقة لإضعاف الجرثومة وتأنيسها). فأمّن رجاله على ما يقول وفي قلوبهم أن لا سبيل إلى تأنيس هذه الجرثومة أبداً
وأخذ بستور في اختراع تجارب مما لا يستطيعها الجن بَلهَ البشر، وانتثرت على مكتبه تخطيطات عدّة منها كأنها الخط الهيروغليفي، وكانت تجتمع عنده في صباح اليوم نتائج تجارب الأمس فيدعو إليه في الساعة الحادية عشرة صباحا عَوْنيه رو وشمبرلاند، فيقرأ عليهما خطة جامحة أخرى يختطّها ليصل بها تحسساً في الظلام إلى هذه الجرثومة التي لا تُرى ولا تُنال رجاء أن يُضْعفها - خطة تأخذ بإصبعه إلى باطن الأرض فتحط به على رأس الجرثومة حطاً
كان يقول لهما بستور:(جرّبا هذه التجربة اليوم)
فيقولان له في اعتراض:(ولكن هذا غير ممكن عملاً)
فيقول بستور: (ومع ذلك أجْرياها، أجرياها بالطريقة التي تتراءى لكما بشريطة أن