كان مثل بستور في ذلك مثل بتهوفن يُضمن سِنْفُونياته الموسيقية دورا لا يلعبه إلا البوق وهو ليس عنده، ولكنه لا يلبث بعد خلق الدور أن يخلق بوّاقاً. كذلك كان بستور في تلك الأيام يفتن في التجارب افتناناً، ثم بعد ذلك يجد من ذكاء عونيه وحرصهما ضميناً لإنجاحها
وأخيراً اهتدوا إلى طريقة لتأنيس جرثومة الكلب، وذلك بأن استخرجوا قطعة من نخاع أرنب مات من الداء، ثم علقوها مدة أربعة عشر يوماً في قارورة لا تدخلها جراثيم الهواء، فلما جفّت وانضمرت حقنوها في أمخاخ كلاب سليمة فإذا هذه الكلاب لا تموت!
قال بستور:(مات الجرثوم! أو خير من ذلك أُضعف إضعافاً كبيراً)، وتلك النتيجة الأخيرة نطّ إليها بستور نطاً بلا سبب مقبول ولا مبرر معقول. قال:(والآن فلنجفف قطعاً أخرى من النخاع الوبيء اثني عشر يوماً، ثم أخرى عشرة أيام، فأخرى ثمانية ثم ستة، ثم نرى أنستطيع بهذه القطع أن نعطي كلابنا قليل من الداء. . . إذن والله لتحصنت منه
وأخذوا جميعاً في سبيل هذه التجربة الخالية، ومضت أربعة عشر يوما ذرع فيها بستور أرض المعمل رائحاً غادياً بين القوارير والمجاهر والأقفاص المنثورة فيه، وعبس وتسخط، وخط في كراسته الشهيرة ما شاء له الخاطر أن يخط؛ وفي اليوم الأول حقنت كلاب بالنخاع الوبيء الذي جفف أربعة عشر يوماً، وفي اليوم الثاني حقنت بالنخاع الأقوى وباء، ذلك الذي جُفف في القارورة ثلاثة عشر يوماً، وهكذا إلى اليوم الرابع عشر وفيه حقنت الكلاب بالنخاع الذي جفف يوماً واحداً، وبه وباء لا شك يقتل الكلاب لو أنها فوجئت به أول مرة
وظلوا جميعا ينتظرون هذه الكلاب أياماً شابت فيها رؤوسهم، ولكن شيء من داء الكلب لم يظهر عليها أبداً. فانبسطت أسارير هذه الأغوار الثلاثة التي قامت تحارب الموت فتكشر له كما كشر. حقنوا في الكلاب أربعة عشر حقنة وبيئية فلم يصبها من الضرر قليل أو كثير. ولكن هل هي حقاً تحصنت من الداء؟
وخشي بستور أن لا تكون، فأجفل من ذكرى ضياع كل هذه الأعوام في عمل غير نافع. لكأني بك تسمعه يقول لنفسه: (أنا اليوم شيخ عاجز، والأيام تجيء فلا تزيدني إلا عجزاً. . .)، وكان لابد من إجراء التجربة الفاصلة الأخيرة. وكان لابد لبستور أن يتجلّد على