إجرائها مهما كانت عاقبتها. كان لابد له أن يعلم أتحتمل هذه الكلاب بعد كل الذي جرى لها حقنة قوية غير مضعفة من التي تحقن في الكلاب المائة السليمة فتقتل منها المائة
وذات يوم ثقب رو في رأس كلبين من هذه الكلاب ثقبا حقن فيه وباء قوياً لم يُضعف. وفعل مثل ذلك في كلبين سليمين لم يحقنا بحقنة أبداً
وبعد شهر أيقن بستور وأصحابه أن النصر أتاهم أخيراً بعد عمل ثلاث سنين. فالكلبان اللذان كانا حقنا أربع عشرة مرة ظلا يجريان في قفصيهما ويلعبان ولم يتوعكا أصلاً، أما الكلبان الآخران اللذان لم يتحصنا فنبحا آخر نباح وماتا من الداء
إن بستور له شخصيتان، فهو مخلص الأرواح وبحّاثة في آن، وهما شخصيتان دائماً متنازعتان، ودائما تجور أولاهما على أخراهما. لذلك ما كاد يطمئن إلى النتيجة الطيبة التي خرج عليها من هذه الكلاب، حتى دارت رأسه بالخطط الكثيرة يرسمها ليمحو بها داء الكلب من على ظهر هذه البسيطة. فكانت له في ذلك مئات المشروعات كلها سخيفة، دار منها في عالم أدكن من الخيال، وسلك فيها من الفكر سُبُلاً كثر ضبابها واشتد، فلم يستطيع رو وشمبرلاند أن يخترقاه فضلا فيه وضلت فيه زوجه كذلك. وكان ذلك عام ١٨٨٤، وفي هذا العام نسي بستور مما هو فيه عيد زواجه، فأساء هذا النسيان إلى زوجه، وهي التي عانت في حياتها ما عانت، فكتبت إلى أبنها تشكو:(إن أباك غارق في أفكاره؛ وهو قليل الكلام، قليل النوم، وهو يستيقظ مع الفجر؛ واختصاراً هو يجري في هذا اليوم على نفس الأسلوب الذي جرى عليه منذ التقت حياتانا من خمس وثلاثين سنة كاملة)
ومن تلك الخطط الجامحة أنه رأى أن يحقن هذا المكروب المضعف في كل كلاب فرنسا في دفعة نابليونية واحدة. قال للبيطار الشهير نوكار (يجب أن نذكر أن الإنسان لا يصاب بداء الكلب أبداً إلا إذا هو عضه كلب مكلوب فإذا نحن محونا هذا الداء من الكلاب محوا كاملا. . .) فضحك نوكار من قوله وهزّ رأسه إنكارا، ثم قال له: (إن في باريس وحدها مائة ألف من كلاب وجِراء. وفي فرنسا مليونان ونصف مليون منها، فإذا أنت أردت أن تحقنها دفعة واحدة، وأن تحقن كلا منها أربع عشرة حقنة في أربعة عشر يوما، فمن أين لك بالرجال؟ ومن أين لك بالزمان؟ ومن أين لك يا عزيزي الأفخم بهذا العدد من الأرانب؟ بل من أين تأتي بأنخعة وبيئة تصنع منها ألف لقاح فحسب؟