وأخيراً طلعت على بستور فكرة بسيطة أخرجته من ورطته. قال لنفسه:(ليست الكلاب هي التي نعطيها الألقحة، بل الرجال التي عضتها الكلاب. ألا ما أحصر! ألا ما أيسر! يعض الكلب المسعور رجلا فلا يختمر الداء فيه ولا تظهر أعراضه عليه إلا بعد أسابيع. . . إن الجرثومة إذن تستغرق كل هذه الأسابيع لتصل من مكان العضة إلى مخ الرجل. . . إذن نحن نستطيع في هذه الفترة أن نحقن في الرجل حقناتنا الأربع عشرة وبذلك نحميه من المرض قبل اختماره.) وما أسرع ما دعا إليه رو وشمبرلاند وقاموا بتجربة هذا الرأي في الكلاب أولا
فوضعوا كلابا مريضة في أقفاص واحدة مع أخرى سليمة فعضتها. كذلك جاء رو بكلاب أخرى سليمة وحقنها بحقنة فاتكة من نخاع أرنب وبئ، ثم جاءوا بجميع هذه الكلاب، المعضوضة والمحقونة بالوباء، تلك الكلاب التي لاشك هي لاقيةٌ حتفها إذا تُركت لشأنها، فحقنوها جميعا بالأحقنة المحصنة الضعيفة فالأقل ضعفاً حتى استتمت أربع عشرة لكل منها، فما الذي كان؟ كان الفوز كل الفوز، فكل مخلوق من تلك الخلائق صد عن نفسه في استكمال وخفاء هجمة هذا الوباء. وبستور الذي عانى من ألقحة الجمرة الذي عانى، صاح يدعو إلى تأليف لجنة من خير رجال الطب في فرنسا تقوم بامتحان تجاربه والحكم لها أو عليها. وجاء حكم اللجنة فإذا به يقول:(إن الكلب إذا حُصِّن بأنخعة الأرانب الوبيئة التي ماتت من هذا الداء، بأن يُحقن بالتدرج بضعيف الوباء فالأقل منه ضعفاً، فهذا الكلب لا يأتيه الكَلَب أبداً)
فتساقطت الرسائل على بستور من كل صوب، رسائل هالعة من كتب وتلغرافات جاءت تنصب عليه أنصباباً من أطباء مداوين، ومن آباء جازعين، وأمهات راجفات يطلبن الغياث لأطفال لهن عضتها كلاب مسعورة. حتى إمبراطور البرازيل العظيم تنازل من عليائه فكتب إلى بستور سائلاً راجياً
ولن أحدثك كثيراً عن هم بستور في تلك الأيام، ذكر ما كان قاساه من لقاح الجمرة وشتان ما بين الجمرة والكلَب. ففي الجمرة إذا ازدادت قوة اللقاح عن القدر المقدور ماتت شياه من جراء ذلك. أما هنا في الكلَب فخطأ في التقدير يفضي إلى ضياع أرواح البرايا من رجال وأطفال. . . لم يقع أحد من صيادي المكروبات في حيرة مثل هذه، ولم تقع عليه مسئولية