للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتلك. . قال بستور لنفسه: (لم يمت كلب من كلابي بسبب لقاحي أبداً. والذي عُضَّ منها فحقن بهذا اللقاح احتمى من الداء احتماء كاملاً. فلا شك أن الذي حدث في الكلاب يحدث في الإنسان. . . ولكن. . .)

ومرة أخرى عاود الأرق هذا البحّاثة المسكين من أجل أنه كشف كشفاً بلغ من الإبداع مبلغاً بعيداً. فكان يرقد على ظهره في سريره وينظر في كتل الظلام التي فوقه فيرى فيها خيالات من أطفال تصرخ في طلب الماء لحلوق جافة مخنقة بالداء، أول شيء تأباه وتخافه هو هذا الماء، ويخال أنه هو الذي جاءها بداء الكلَب بسبب خطأ في لقاحه فيُجفل من تلك الخيالات إجفالاً

ومرت به ساعة عاوده فيها حب المباغتات على نحو ما يجري على المسارح من المفاجآت، أراد أن يكون بطل الدرامة، فكتب إلى صديقه القديم فرسيل يقول: (أميل كثيراً إلى أن أبدأ بنفسي فاحقنها بهذا المكروب القاتل ثم أدفع فعله بلقاحي، فقد والله بدأت أحس في قلبي الثقة بنتائجه)

ولكن رحمة الله به ساقت إليه أخيراً من حل في التجربة محله فوقته شر ما أعتزم عليه في أمر نفسه: جاءته امرأة من الألزاس تسعى إليه دامعة العين، ودخلت معمله تجر وراءها ولداً لها اسمه يوسف في التاسعة من عمره جرحه كلب مسعور في أمسه الأول أربعة عشر جرحاً، وكان ينشج بالبكاء، وقد ملأه الرعب وارتعدت فرائصه فلم يكد يستطيع سيراً

صاحت ألام راجية: (سيدي بستور، أنقذ ولدي!)

فسألها بستور أن تعود إليه في مساء اليوم، وقام هو لزيارة طبيبين يدعى أحدهما يليبان ويدعى الآخر جرانشيه وكانا من أحبابه ونُصرائه، وكانا في معمله فرأيا فيه كيف استطاع أن يخلص الكلاب من بلواها بعد أن عضتها كلاب مسعورة عضاً شديداً، وفي المساء ذهبا معه إلى الطفل فلما رأى يليبان جروحه عابسة متقيحة ألح على بستور أن يقوم بتلقيحه تواً. قال: (قم يا رجل وابدأ علاجك، فانك أن لم تفعل مات هذا الغلام لا محالة)

وفي هذه الليلة، الليلة السادسة من يوليو عام ١٨٨٥، حقنت أول حقنة من لقاح الكلَب في أدمي، وقضى الطفل أربعة عشر يوما أخذ فيها أربع عشرة حقنة من إبرة تحت الجلد فلم يصبه سوء، ثم عاد إلى الألزاس فلم يأته بعد ذلك عرض من أعراض هذا الداء المخوف

<<  <  ج:
ص:  >  >>