على واضعي فهرس دار الكتب هذا التخليط فلم يتفطنوا إليه، وظنوه صحيحاً، وقالوا إن الذخيرة هي لابن بسام المعروف بالبسامي الشاعر الخ الخ ونقلوا نتفاً من هذه الخطبة المفتلة، وإن كان لهم في هذا الصنيع كل المعذرة. . . (وبعد) فأنا على هذا كله سنقدم إليك صورة وان مُصغَّرة لهذا الأديب الأندلسي العظيم لقد التقطنا أجزاءها من ههنا وههنا
أزلفنا في ترجمة الفتح أن أبا الحسن علي ابن بسام صاحب الذخيرة كان في زمن الملثمين - يوسف بن تاشفين وأولاده - ونزيد هنا أن حياته امتدت إلى أيام أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي رأس دولة الموحدين الذين أدبل لهم من الملثمين وآضوا بذلك ملوك المغرب والأندلس، إذ جاء في نفخ الطيب ما نصه:(وتأخرت وفاته - أي وفاة ابن بسام - إلى سنة ٥٢٤) ويبدو من هذا أن ابن بسام عاش بعد الفتح بن خاقان نحواً من سبعة عشر عاماً. . .
ولد ابن بسام في شنترين وهي بلدة من الُكوَر الغربية البحرية من أعمال بطليوس، ومن ثم يقال له الشَنْتريني، ومن مؤرخي الأندلس من يقول الشَّنْتمَري نسبة إلى بلدة بالأندلس في الشمال الشرقي لقرطبة يقال لها شنْت مَريّه (أي مريم المقدسة)، وفي هذه البلدة يقول الأديب النحوي أبو محمد بن السيد البطليوسي:
تنكرت الدنيا لنا من بُعدكم ... وحفَّت بنا من معضل الخطب ألوان
أناخت بنا في أرض َشنْتَ مرِيَّة ... هواجس ظن خان والظٌّن خَوّان
رحلنا سَوامَ الحمد عنها لغيرها ... فلا ماءها صدَّا ولا النبتُ سعدان
ولم يحدثنا المؤرخون عن مولده ونشأته، ولا عن مشيخته وكيف تعلم، فلا علينا إذا نحن تخطينا هذا واكتفينا بالكلام عليه من ناحية منزلته الأدبية وإيراد شيء من منظومه ومنثوره والقول على أثره الخالد كتاب الذخيرة. . .
كان أبو الحسن علي بن بسام صاحب الذخيرة أديباً كاتباً شاعراً، وكان المنثور أغلب عليه من المنظوم، مثله في ذلك مثل الفتح، فكان منثوره فائقاً بارعاً جميلاً وأن كان يغلب عليه السجع كسائر معاصريه، أما شعره فقد كان دون نثره. ومما عثرنا عليه من شعره أبيات أوردها العالم الأديب أبو الوليد إسماعيل بن محمد الشقندي الأندلسي المتوفي سنة ٦٢٩ في رسالته البديعة التي يفضل فيها الأندلس وأهل الأندلس على بر العُدوه - مراكش - وأهل