أمهاتكم! ما ألأمكم! أتأخذون ثيابي وسلاحي، ثم تضنون عليّ بثوب يسترني؟ الرحمة يا مسلمون، الشفقة يا مؤمنون! أأفتضح في الأنس والجن؟
ووثب الجن عليّ وحدقوا بي وهم عرى، فَقفَّ والله شعر بدني، وامتلأت فزعاً؛ فقال صاحبي وهو يضحك: أعطهم الإزار لقد أضحكت الناس علينا
قلت: ويحك، وهل أبقى عريان؟ قال: لا، سنعطيك غيره. أن هذا جديد يفسده الماء
فاستخذيت وأطعت، وما خوفي إلا من هؤلاء الجن أن ينفخ على أحدهم فيحرقني، أو يدفعني دفعة فيلقيني وراء جبل قاف!
ودخلت إلى مقصورة من هذه المقاصير، فجلست إلى الجرن حزيناً كئيباً لا أعلم ماذا يجري علي، فبينما أنا على تلك الحال - وإذا بجني عار كأنه قفص عظام، له لحية كشوك السعدان - وودت أنها عشاء لجملي. . . وقد تأبط ليفاً غليظاً - يا شر ما تأبط! - وحمل ماعوناً كبيراً يفور فوراناً فتشهدت واستغفرت وعلمت أنه السم، وأنه سيتناثر منه لحمي - وقصد الجنيّ إليّ - فجعلت أفر منه، أتوثب من جانب إلى جانب، كأنني دجاجة تفر من سكين الجزار وهو يلحق بي ضاحكاً، ويعجب من قبلي ويظن أني ألاعبه وأداعبه، وصاحبي يقسم لي أنه الصابون.
- قلت: وما الصابون لا أم لك - أمصابون أنتم في عقولكم؟ هذا هو السم، لقد عرفته. . .
- قال: لا وأبيك أنه الصابون، ولا ينظف شيء مثله.
- قلت: ألا شيء من سدر؟ ألا قليل من أشنان؟
- قال: والله ما أغشك فجرب، ونطق الجني فإذا هو والله كلام الناس، وإذا هو أدمي من أمثالنا، فاطمأنت وجلست بين يديه، وأقبل على يدلكني دلكاً شديداً، وأنا أنظر هل تساقط لحمي، هل تناثر جلدي، فلا أجد إلا خيراً فضننت أنه قد أحسن إلي، وهممت بشكره، لولا أن ظهر أنه شيخ سوء من القوم الذين أهلك الله، فقد كان يتغافلني ويمد يده تحت الإزار، فيمس فخذي وساقي، فقلت: لو نجا منه أحد، لأنجتني هذه الشيبة، وجعلت أهم بهشم أنفه، وهشم أسنانه ثم أدعه، حتى انتهى وصبَّ على الماء سخنا، فشعرت والله كأنما نشطت من عقال، وأحسست بالزهو والخفة، فصحت فأنكرت صوتي، فقلت: ماهذا؟ أينطق على لساني مغن من الجن؟ وأعدت الصيحة فازددت لصوتي إنكاراً، فاستخفني الطرب وجعلت