للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شديداً، فقلت: أفلا ترى صنيعهم بنا، أفتحب أن ندعهم حتى يأخذونا، قال إنهم يرحبون بنا، ويسلمون علينا لا يريدون حرباً ولا قتالاً

فصدقته وأغمدت الخنجر، وظن القوم أنه المزاح، فعادوا إلى حركاتهم وضجتهم، يدورون حولنا بقباقيبهم العالية، ويجيئون ويذهبون، وأنا لا أدري ما هم صانعون، حتى قادونا إلى دكة من هذه الدكك، وجاؤا ينزعون عنا ثيابنا، فتحققت أنها المكيدة وأنهم سيسلبونني خنجري حتى يهون عليهم، فقد عجزوا أن ينالوني وبيدي الخنجر فأبيت وهممت بالخروج. فجعل صاحبي يكلمني ويحلف لي، حتى أجبت واستسلمت، والموت أهون علي من أن أنزل عن سلاحي، وأمنحهم سلبي حتى يسلبوني، ولكنها المدينة دار المذلة والمهانة، وليست بالصحراء، ولو أني لقيتهم في الصحراء لجعلتهم طعمة للوحش والطير. . . حتى إذا تمّ أمر الله ولم يبق إلا الإزار، أرادوا نزعه عني، فقلت: أما من مسلم في هذا البلد؟ أما من عربيّ؟ أتكشف العورات فلا يغير أحد، ولا يغضب إنسان؟

فهدأني صاحبي، وقال: أفتغتسل وأنت متزر؟

قلت: لعن الله نظافة الجسم إذا كانت لا تأتي إلا مع نجاسة النفس، ويحك أتراني أضيع ديني وشرفي وأنكشف بعد هذه الشيبة، وتذهب عني في العرب، فتكون فضيحة الدنيا والآخرة؟

قال: ومن أنبأك أنك ستنكشف؟ هلا انتظرت؟

ودعا غلاما من أغلمة الحمام فقام دوني يسترني، ستره الله، حتى خلعت إزاري واتّزرت بإزار أبيض أعطونيه. . . وكان صاحبي قد تعرّى كما تعريت فأخذ بيدي فأدخلني إلى باطن الحمام فإذا غرف وسطها غرف، وساحات تفضي إلى ساحات، ومداخل ومخارج ملتوية معوجة يضل فيها الخرّيت، وهي مظلمة كالقبر، قد انعقدت فوقه قباب فيها قوارير من زجاج، تضيء كأنها النجوم في الليلة الداجية، وفي باطن الحمام أناس جالسون إلى أجران ضخمة من الصخر، عرى لا يسترهم شيء، فعلمت أنهم من الجن. وتعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وجعلت ألتمس آية الكرسي فلا أجدها، فأيقنت لما نسيتها أن جنياً منهم لابد راكبني، وجعلت أبكي على هذه الشيبة أن تكون سخرية صبيان المدن. . . وإني لكذلك إذا بالخبيث يعود إلى يريد أن ينزع عني هذا الأزرار الذي كسانيه. . . فقلت: ويل

<<  <  ج:
ص:  >  >>