قرشين، فأعطاه بهما فتاتة ورق فما رأيت ولله صفقة أخسر منها، وعجبت من صاحبي إذ يشترى بقرشين اثنين ورقة ما تصلح لشىء، ولكني جلست صامتاً، وما هي إلا هنيهة أخرى حتى أقبل علينا رجل كالأول، رومي خبيث، إلا أنه أجمل ثياباً وأحسن بزة، فأخذ هذه الأوراق فمزقها. . . فثأرت ثائرتي وقلت: هذا والله الذل، فقبح الله أعرابيا يقم على الضيم، ويرضى أن يسام الخسف. . . وقمت إليه فَلَبَّبتُه وقلت له: يا ابن الصانعة. . . أتعمد إلى شيء اشتريناه بأموالنا، ودفعنا فيه قروشنا فتمزقه، والله لأمزقن جلدة وجهك. . . .
وحسبت صاحبي سيدركه من الغضب لكرامته، والدفاع عن حقه مثل ما أدركني، فإذا هو يضحك، وإذا الناس يضحكون لما يرون مني، لأن عمل هذا الرجل - فيما زعموا - تمزيق أوراق الناس التي اشتروها بأموالهم!
ولما نزلنا من هذه الآفة، قال لي صاحبي:
- هلم إلى الحمام؟
- فقلت: مالي وللحمام؟
- قال: تغتسل وتلقي عنك أدران السفر
- قلت: أن كان هذا هو الحمام، فمالي بالحمام من حاجة، حسبي هذا النهر أغطس فيه فأغتسل
- قال: هيهات. . . أن الحمام لا يعد له شيء، أو ما سمعت أن الحمام نعيم الدنيا؟
- قلت لا والله. ما سمعت:
- قال: إذن تسمع وترى. وأخذني فأدخلني داراً قوراء في وسطها بركة يتدفق منها الماء فيذهب صعداً كأنه عمود من البلور، ثم ينثني وينكسر ويهبط وله بريق ولمعان: صنعة ما حسبت أن يكون مثلها إلا في الجنان. وعلى أطراف الدار دكك كثيرة مفروشة بالزرابي والأرائك والمتكئات كأنما هي خباء الأمير. فلم نكد نتوسطها حتى وثب إلينا أهلوها وثبة رجل واحد يصيحون علينا صياحاً غريباً، ويصرخون صراخ من به مسّ، فأدركت أنها مكيدة مدبرة، فانتضيت خنجري وصحت بهم: مكانكم، فوالله لا يدنو مني رجل إلا قططت رقبته. . . فأحجموا، وعجبوا ورعبوا، فقال صاحبي: أنه يمزح. ومال علي يعاتبني عتاباً