غير صالحة للفضيلة. وكذلك نرى مذهب الرجعة الدائمة يتجلى في كتاب (لبلانكى)! وفي كتاب الدكتور (لوبون: الرجل والمجتمعات). ولكنا - وإن قارنا بين نيتشه وبين هؤلاء المعاصرين - فان هنالك تبايناً شاسعاً مهما كانت الأفكار متقاربة متآلفة. وعلة هذا التباين شخصية نيتشه. ولقد نراه في بعض خطرات يتحامل على هؤلاء الأحلاف، فمقت من (رينان) روحه الكاهنة، ونعت (هارتمان) بالمشعوذ. وليس نفوره هذا وليد حقد أو حسد، وإنما هو وليد طبيعة تختلف جد الاختلاف عن طبائع خصومه. هذه الطبيعة التي تؤمن بأن الشخصية في الفيلسوف هي أكبر قيمة وأجل خطراً من آثار الفيلسوف
على أن هذا لا ينبغي أن يدفعنا إلى إنكار فضيلة كل حقيقة غير ذاتية إكراما لقوة الشخصية عند نيتشه، وإذ ذاك يعم الجور والخطأ في الحكم. وأنني لمعتقد بان المؤرخ والفيلسوف يستطيعان أن يجدا عند نيتشه حقائق جميلة بذاتها. وهنالك آراؤه في (فاجنير) يراها المؤرخ جديرة بالاعتبار لأنها تبدى قيمة الفنان العظيم. وهنالك آراء لنيتشه يجدر بها أن تكون محل مناقشة ومجادلة، على أنني أقول أن عبقرية نيتشه لا تستقر إلا في (الذاتية)
الآن أراني أستشهد بكلمة (لبراندس) قالها في موضع التحدث عن فيلسوفنا حينما قارن بينه وبين خصومه فلاسفة الإنجليز. (قال: وحين نقبل عليه. . . (نيتشه) بعد مغادرتنا لفلاسفة الإنجليز نرى عالماً جديداً حولنا. فالإنجليز هم عقول متشابهة في الصبر والجلد، غرضهم أن يتقنوا الشيء جزءاً جزءاً ثم يجمعوا هذه الأجزاء الصغيرة المتفرقة ليؤلفوا منها شريعة وقانوناً؛ يعملون غير متأثرين بذاتهم؛ وقيمة فلسفتهم تتوقف على ما يعملون لا على ما ترقى إليه ذاتهم؛ أما نيتشه فهو على نقيض هذا المذهب، هو مثل شوبنهاور متنبئ فنان، تستهويك شخصيته قبل أن تستهويك آثاره.) وإذ شئنا إبداء قيمة آثاره فليس لنا أن نتلوها تلاوة كتاب علمي لا تتوقف روعته على روح صاحبه. نتلوها لنرى الروعة فيما بث هذا الرجل من معارف قديمة بسطها وجديدة وضعها
يرى نيتشه في معرض كلامه عن شوبنهاور (أن مذهب المفكر لا شأن له، فكل فيلسوف ممكن انخداعه. أن ذلك الشيء الذي هو أجل من مذهبه - هو نفسه - في كل فيلسوف شيء لا تجده في فلسفته. علة كل الفلسفات والمذاهب هي الإنسان، الإنسان العظيم