نوع مما أصاب الأدب الشعبي من الظلم. وكم أصابه من أنواع! وها هي الأغاني التي تخترع في عصرنا نجدها على الأفواه ونستعذبها، وتهش لها نفوسنا، ولا نكلف أنفسنا مئونة البحث عن منشئها
ولكن من حسن حظ هذه الأغنية، أو من حسن حظنا نحن، أننا نجد ظلاً لتاريخها، فقد ذكرها الجبرتي في تاريخه في حوادث سنة ١١٤٣ هجرية، فيكون عمرها أكثر من قرنين وظلت الأجيال تتعاقبها إلى يومنا
ويظهر من كلام الجبرتي أن واضعها عالم كبير جليل من أكابر علماء الأزهر في القرن الثاني عشر، هو الشيخ الحفناوي أو الحفني؛ كان سيد الأزهر في أيامه، له حلقات الدروس الحافلة بنوابغ الطلبة، يقرأ فيها أعوص الكتب وأصعبها، كجمع الجوامع والأشموني وحاشية السعد؛ وله التآليف الكثيرة في البلاغة والميراث والجبر والمقابلة، كما كان بيته ساحة كرم يغشاه أعيان مصر وعلماؤه وأدباؤها، ويلجأ إليه الفقراء وذوو الحاجات؛ وكان راتب بيته من الخبز كل يوم نحو الإردب، وطاحون بيته دائرة ليل نهار، ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون، إلى هيبة ووقار، حتى يهاب العلماء سؤاله لجلاله
وهو مع هذا كله ظريف أديب، سمع تلميذاً له يوماً يقول:
بحياة يا ليل قوامك وصوم الحَرْ ... تحجز لنا الفجر دا فوت الرفاقه حَرّ
لما يجي الفجر يصبح ركبهم منجرّ ... أزدادِ لَوَعه ولا عمري بقيت انْسَرْ
إلى غير ذلك. فيحدث تلميذه أن الشيخ الحفني قال له يوماً (أحدتك حدوته، بالزيت ملتوته، حلفت ما آكلها، حتى يجي التاجر، والتاجر فوق السطوح، والسطوح عاوز سلم الخ) فحكاية التلميذ ولم يكن سمعها من قبل وروايته لها عن شيخه ترجح الظن أنها من عمل الشيخ الحفني
وقد زاد الشيخ على ذلك فشرح الأغنية على طريقة الصوفية ففسر التاجر بالمرشد الكامل