للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد كان المستبدل الهائل، أو المستبدل العادل، أو الطاغية

كانت كل السلطات في يديه، وكان الخير يتفجر منهما والشر والجريمة أحياناً

كان مشرعاً يضع بنفسه (قوانين نابليون)، وكان يدير دفة السياسة في الدنيا، وكان يحيط بالجحفل اللجب في أسترلتر ويكتب إلى جوزفين!! وكان يصدر مرسوم الكوميدي فرانسيز وهو يتفجع أمام حرائق موسكو، وينظر إلى صورة (النسر الصغير) نابليون الذي سماه ألد عداته وهو (شاتوبريان): (شاعر يعمل)؛ أو كما قال أوكتاف إوبري: (ابن الثورة الأكبر الذي أنشأ الدنيا الحديثة على أنقاض ما هدمته الثورة من الدنيا القديمة) والذي بنى الدول حتى بعد أن مات!! فبعث إنجيل سنت هيلين من الموت: إيطاليا وألمانيا وغيرهما في القرن التاسع عشر، ويوجوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا ودول البلقان في القرن العشرين!! حتى إذا فقد إمبراطوريته في قلب القارة دانت له إمبراطورية القلوب في كل الدنيا فاصبح أغنية في فم التاريخ وطنيناً في سمع الزمن

أوليس من الفرنسيين كما قال (دوناي) من يقول اليوم: (ليته يعود!) وهو هو الذي أجهد فرنسا وأضناها؟ وهو هو الذي عبر عن نفسه بقوله: (أفلم يكن أفضل ألا أكون ولدت؟)

هكذا استهلكت فرنسا القرن الماضي بأروع دكتاتورية عرفها البشر. ولما انطفأت شعلة (المارد القرشقي) وبعث من أعلى الصخرة إنجيله في سنت هيلين كانت من آياته (نظرية الجنسيات) التي أوسعها المؤلف تجريحاً في كتاب (تاريخ ثلاثة أجيال) لأنها أنشأت الدول التي زعزعت فرنسا في القارة، أما هنا فهو لا يناقش وإنما يعرض ويترك القارئ للاستنتاج، فيقدم إليه معجزة أخرى من معجزات الإنجيل تلك هي تسنم ابن أخي نابليون رياسة الجمهورية، ثم تتويجه نفسه مثل عمه إمبراطوراً بالقوة في ديسمبر سنة ١٨٥١ ولا يحمل على (نابليون الصغير) كما سماه هيجو، فهو قد شرحه في كتابه (تاريخ ثلاثة أجيال) بما نقله عن بسمارك لما أن قابله نابليون الثالث في ييارتز فقال: حالة عجز كبرى لا يعرفها الناس!

وهنا يعني بانفيل بأن يلفت قارئه إلى طريقة إحداث الانقلاب السياسي، فيقول أن الانقلاب الذي أحدثه نابليون الصغير كالانقلاب الذي أحدثه نابليون الكبير ليجعل نفسه قنصلاً عاماً، كان يقوم على أيدي رجال في يدهم الحكم لأن الانقلاب الناجح تجب له قوة حكومية ليستقر

<<  <  ج:
ص:  >  >>