عندما عاد من برلين للمرة الأخيرة، وكان قد أوفد إليها من قبل الوزير كالون في مهمة سياسية عام ١٧٨٧ أي قبل هبوب العاصفة بعامين، وخيل إلى أن الوزير إنما أراد إبعاده، فلما استقل ميرابو ما كان يصله من أجر عاد إلى وطنه مغيظاً محنقاً فشهر قلمه للطعن في كالون ونكر صديق الشعب، وابتدأ الناس يحسون خطره كناقد سياسي، نعم أحس الناس روحاً جديدة في كتاباته واستشعروا أن صاحبها يمتاز ممن عرفوا من الرجال. اقرأ مثل قوله في نقد نكر (ليعلم الذين يحسبون أنهم لا يستطيعون أن يحبوا الله خالقهم أو أن يحبوا الملك والوطن إلا أن يعبدوا نكر، إنهم في ضلالتهم يعمهون. هل فكروا في أن تفاخره بأنه يستطيع أن يعقد أي قرض دون زيادة في الضرائب موضع عار لا موضع فخر؟ هل فكروا في أنه بذلك قد استطاع أن يستهوي أولي الأمر في هذه الدولة، فيدفع بهم إلى حرب تبرأ منها الإنسانية، فضلاً عما يتبعها من خراب مالي؟ وهل يغنيهم ما يعلمون من حسن خلقه وطيب نفسه عن نجاح سياسته كوزير؟) اقرأ هذا وغيره تر أن الثورة قبل هبوبها قد اهتدت إلى زعيمها، وتلق الرجل في مستهل مرحلة جديدة في حياته العجيبة، مرحلة الجد الحكيم والوقار العاقل والجهد المتواصل.
راح يعلن للناس أنه عدو الامتيازات والاستبداد، وأنه لن يقعد عن الجد حتى يرى الناس سواء أمام القانون، ويرى الحرية حقاً يتمتع به كل فرد، ويرى التعليم نوراً ينفذ إلى جميع الطبقات، والرخاء المادي حصناً يقي الوطن غائلة الفاقة. وهل كان للناس مطمع وراء هذا؟ وهل كانوا يتغنون بغير هاتيك الأناشيد؟ ولكن ميرابو لن يقبل أن يسعد الشعب على حساب الملكية! وإذاً فهو يسعى من جانب آخر إلى أن يكون للملكية نفوذها وسيادتها على أن تستمد ذلك من الشعب صاحب الحق. ولئن كان يمقت من أعماق قلبه الفوارق بين الطبقات وقيود العهد الإقطاعي، فان بدنه ليقشعر فرقاً من الفوضى وإنه ليرى الطامة الكبرى في جموح الشعب وتعديه حدوده.
بهذه المبادئ وبما عرف عنه من مقدرة خطابية فائقة، تقدم ميرابو للانتخاب في مدينة إكس ليشون نائباً عن العامة في مجلس طبقات الأمة، بعد أن نأى الأشراف بجانبهم عنه. وعلى الرغم من كيد خصومه له خرج من المعركة ظافراً داوي الصيت