ذلك لأن وطن المسلم في القرآن، لا في التراب والأحجار، ولا في البحيرات والأنهار، ولا في الجبال والبحار:(إنما المؤمنون أخوة)، لا (إنما المصريون. . . .)، ولا (إنما الشاميون. . .)، ولا (إنما العراقيون. . . .)
هنالك يتفقد الاخوة إخوتهم، فيعين القوى الضعيف، ويعطي الغني الفقير، ويساعد العزيز الذليل، فلا ينصرفون من الحج إلا وهم أقوياء أغنياء أعزاء
هناك يذكر المسلم كيف مرّ سيد العالم صلى الله عليه وسلم بهذه البطاح مهاجراً إلى الله، تاركاً بلده التي نشأ فيها، وقومه الذين ربي فيهم، وكيف جاء حتى وقف على الحزْورَة، فنظر إلى مكة، وقال:(انك لأحب بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت). ثم يستقبل هذه الصحراء الهائلة، ليس معه إلا الصديق الأعظم، يتلفت كلما سار ليتزوّد بنظرة من مكة حتى غابت وراء الأفق الفسيح، فانطلقا يؤمان الغار
هل علمتْ هذه البطاح أن هذا الرجل الفرد الذي قام وحده في وجه العالم كله، يصرع باطله بقوّة الحق، ويبدّد جهاته بنور الإسلام، ويهدي ضلالته بهدي القرآن، والذي فر من مكة مستخفياً، سيعود إليها بعشرة آلاف من الأبطال المغاوير، فتفتح له مكة أبوابها، وتتهاوى عند قدميه أصنامها، ثم تعنو له الجزيرة، ثم يخضع لدينه نصف المعمور؟
هل علمت هذه البطاح أن هؤلاء النفر الذين مروا بها هاربين من جبروت قريش وسلطانها، سيعزون حتى تدين لهم قريش، ثم يعزون حتى يرثوا كسرى وقيصر في أرضيهما، ثم يعزون حتى يرثوا الأرض ومن عليها، وسيكثرون حتى يبلغوا أربعمائة مليون، وسيتفرقون في الأرض داعين مجاهدين فاتحين، ثم يجتمعون في عرفات حاجين منيبين ملبين: لبيك اللهم لبيك!
هنالك وقف سيد العالم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يعله حقوق الإنسان، ويقرر مبادئ السلام، وينشر الاخوة والعدالة والمساواة بين الناس قبل أن تنشرها فرنسا بألف عام:
أيها الناس:
اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا ادري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا