يفيض على حياتها حياة، فكيف بشعوبنا التي قتلها التخاذل بينها!
توجه أنى شئت؛ فهل أنت واجد معي إلا قطعاناً هائمة على وجوهها، ورعاة غافلين همهم صفو السمر، وأواصر مقطوعة، وتقاليد حامدة، يتغنى بها القوم حين يريدون الرقص والغناء، وشباباً مخنثين تناسوا رجولتهم، وأهملوا رسالتهم؛ كأنما تلك الراحة الطويلة العريضة قد أورثت أعضائنا الشلل، فإذا وثبت فيها الحياة لم تقدر على الحركة. وارم بطرفك أنى شئت فإنك واجد هذا الموت الاجتماعي وجمود الفكر
وكأنا لم يرض فينا يريب الد ... هر حتى أعانه من أعاننا
فأصبح تفكيرنا رياء، والتظاهر بالتقاليد رياء، وهل كان الرياء إلا ثوباً من أثواب الضعف والعجز ترتديه أمة رضيت لنفسها أن تهوي بدلاً من أن تصعد، وإن إغفال علماء الاجتماع عندنا لهذه الظاهرة الخلقية إغفال فيه جناية لا تغتفر. يجلس مفكرنا في جماعة فيفصل لفكره عشرين وجهاً، يأتيهم بوجه ويعرض عنهم بما بقي. ويصلي أحدنا عشرين ركعة، يمنح واحدة الله، ويمنح الباقيات للناس؛ وهكذا غلب الرياء علينا في كل مظاهر تفكيرنا وتقاليدنا. وإنني لأخشى يوماً يرسو فيه الرياء في أنفسنا فيغدو متأصلاً فينا حتى يصبح علامة من العلامات الفارقة لهذه الأمة
هذه هي المظاهر التي غاظت نيتشه يوم أعلن الثورة على الضعف والرياء. وليت شعري من سيبغضه الضعف والرياء في مجتمعنا الحاضر، فيعلن الثورة عليهما وعلى المرتدين أرديتهما!
إن العقل العربي عقل قوى بنشأته، صادق بعزته، وهو لا يحتاج إلى من يبث فيه معنى القوة والصرامة لأنه قائم عليهما. ولكن جيلنا الحاضر اعتنق الفكرة العربية مجردة من معنى القوة والصرامة؛ فتشوهت بذلك الرسالة وضاعت معالمها. إن المجتمع العربي يفتقر إلى من يرد عليه هذه الأمانة التي لا يعلم إلا الله سالبها. والمجتمع العربي بعدها غالب عليه الاضطراب والخزي والظلال. فمن يرد عليه أمانته ويعيد إليه صرامته؟
كنت أتلو مواعظ - زرادشت - فأحس أن قوة جديد أخذت تطغى على قلبي، وأشعر باضطراب في نفسي جعلني أومن بأن الحياة لا يعسر عليها أن يخرج منها ألف حياة. ولم لا!؟. كنت أسير معه وهو يهدم خيالات الرياء، ويضرب التقاليد بعضها ببعض، فأطرب