للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لشجاعه، وأعجب بنفسي وأسألها: (هل كان في استطاعتك أن تطئي هذه الأرض لولا هذا النبي؟)، ولكن طربي لم يكن طرباً خالصاً لأنني كنت أبغي لمثل هذا النبي الهدام أن يقيم بيننا ليلة واحدة، تنفذ عينه خلالها إلى قلوبنا الطافحة غشاً وخباً، وقصورنا ومعابدنا المفعمة كذباً ورياءً، فينظف هذه القلوب ويدمر هذه القصور

أين أراك يا زرادشت العرب؟ ومتى يكون الموعد؟ فقد اصطلح على إيذائنا كل شيء حتى أنفسنا. تمشى الحياة بنا ونحن ذاهلون، ويتباهى الغير برجولته الصارمة ونتباهى نحن بالخنث، ويستيقظ الفكر في موطنهم ونحن نضرب حوله السدود ونقيم له حدود، نفر من الألم لأنه يضنينا، ونستجدي الفرح من غيرنا استجداء؛ يتحرك كل شيء حولنا ونحن لا ترضينا الحركة ولا تستهوينا اليقظة. نقول بالإنسانية ونشفق عليها، وقائلوها لا يملكون من (إنسانيتهم) شيئاً. يحسون آلام غيرهم ولا يحسون آلامهم. يشدد غيرنا روح (الذاتية) عندهم، ونحن نسعى إلى محوها، كأننا نريد أن نمثل دور الشرق الأول يوم كان يفيض إنسانيته على غيره. . . وقد قتلنا هذا الحب المفرط للغير، وقد قتلنا هذا الزهد الخامل. تسامى غيرنا فوقنا فهم يريدون أن يعرفوا أنفسهم بعد أن وجدوها، ونحن تائهون لما نعثر على أنفسنا

تعال أيها النبي أينما كنت، فهنا كثيرون ممن يرتقبون أوبتك. واحمل مباضعك وائت بنفسك وقلبك وأيقظ أفكارنا وبث فينا الحياة. أعطنا الحياة وخذ منا فديتها. أتريد منا أن نتألم؟ إننا نتألم ونحتمل الشقاء في سبيل الحياة. شدد شعورنا بالحياة وزدنا إيماناً بها. اهدنا إلى أنفسنا وحببنا فيها فقد علمونا أن نمقتها. تعال استأصل جذور الضعف فينا والذل فقد أكلت أنفسنا الاحشاشات. . . تعال ولا تعطنا شيئاً إلا ما نؤدي ثمنه، فقد أدركنا أن كل ما يُعطى ويوهب رحمة يضر بآخذه. تعال يا إرادة القوة والصرامة، فكثيرون هنا يرتقبون وصولك. . . والطريق ممهد، والغاية دانية القطوف

(انتهى)

(دير الزور)

خليل هنداوي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>