سادساً - بدأت هذه الحال تؤثر في مرافقنا الحيوية، حتى لقد نزعنا إلى القول بأن كل ما هو أوربي جميل، وكل ما هو مصري رديء؛ وكل فكرة مصرية لعب ولهو، وكل فكرة أوربية جد ورجولة؛ وكل فن مصري بٌدائيٌّ وغير متفق وروح العصر، وكل فن أوربي مهما كان فيه من بعد وتضاد مع نزعتنا وتقاليدنا المصرية بل ومع آدابنا المرعية والعرف الإنساني، وحضارة وتمدين؛ وشملت هذه الحال فتياننا وفتياتنا، فألسنتهم لا تتحرك إلا بكل ما هو أوربي غربي، وقلوبهم لا تهفو إلا لكل ما هو بعيد عن المصرية
ولا شبهة في أن المعسكرين يتهيآن الآن: الأول للعمل على خراب الريف، والثاني لا حول له ولا قوة، فسوف ينهزم ليترك الريف خراباً. وإنما يخرب الريف بخراب القلوب التي يجب أن تؤمن بأن الريف هو مصر، وأن مصر هي الريف، وأن المدن أسواق لذلك الريف لا أقل ولا أكثر. وإنما يخرب الريف بأن نحب المدينة ونهجر الريف، فكأننا هجرنا مصر. ولا مخرج لنا من هذا إلا بأن نصل ثقافتنا الحديثة بثقافتنا التقليدية؛ فيكون المصري فلاحاً مصرياً روحاً ونزعة وخلقاً، ثم قاضياً ومحامياً وطبيباً ورجل إدارة من بعد ذلك. يجب أن تكون ماهيتنا مصرية وأعراضنا أوربية، لا أن نعكس الآية بأن نعمل أولاً على محو مصريتنا، فإذا تم لنا ذلك رحنا نتيه بأننا أتينا بأعراض أوربية ولقحنا بها ذوات لا ماضي لها، وبالأحرى لا ماهية لها
تلك مقدمات لابد منها إذا أردنا أن نبحث حالتنا الاجتماعية من جهة علاقتها بالتعليم. وسنرى في البحوث التالية كيف يمكن أن نستفيد منها