للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ميلاده عام ١٨٩٢ حين استتم سبعين عاماً كاملة، فاحتفلوا به في السربون بباريس احتفالاً عاماً رائعاً كبيرا أهدوا إليه وساما. وكان لستر حاضراً، وكان رجال كثيرون مشهورون من أمم أخرى حاضرين، فاحتل هؤلاء العظماء رقعة المكان الدنيا حيث مجالس العظماء، واحتل الطبقات العليا من حولهم شباب فرنسا وطلاّب السربون والكليات والمدارس العليا؛ وامتلأ المكان بالأحاديث، واختلطت به أصوات فيها رنة الشباب. وفي برهة قصيرة انقطعت الأحاديث، وهدأت الأصوات، وخيّم على المجتمع صمت رهيب؛ ففي الممشى تراءى بستور يجر خطاه عرجا؛ وقد أخذ رئيس الجمهورية بذراعه واتجه الاثنان إلى المنصّة في رأس المكان، وصدحت موسيقى الحرس الجمهور بدور جَلْجَلَ في الفضاء، كذلك الذي يُتَحي به الأبطال العظماء وقد عادوا من ساحة النصر بعد أن روَّوْها عبثاً بدماء الأعداء، وحجبوا آثراها بغير طائل بألوف الأشلاء

بستور يموت

وكان في الحاضرين لِسْتر أمير الجرّاحين، فقام واحتضن بستور؛ وهتف الشيوخ الإجلاء من مجالسهم، والشبان الطُّلاّب من شرفاتهم، حتى ارتجت الحيطان؛ وأخيراً جاء دور الكلام لصاحبنا صياد المكروب الشيخ، وكان قد ذهب عنه صوته الحديد الرعّاد الذي كان يرفعه في الخصومات عاليا، فقام نجله يقرأ عنه خطابه؛ وكان ختام هذا الخطاب أنشودة للرجاء، لا بما تضمنته من خلاص الأنفس، بل على الأكثر بأنه دعوة دينية حارة تفتح للرجال سبيلا جديداً من الحياة؛ وكان بها يدعو شباب الجامعة وطلبة المدارس العالية، قال:

(لا تسوموا أنفسكم التشككَ في الأشياء، فالتشكك أرض قاحلة لا تُنبت، وسحاب جَهام لا يُمطر؛ ولا تحملوها على الريبة في قيم الأمور وأوضاعها فتحملوها على الزهادة وتُفقدوها الثقةَ بالله. واحذروا أن تركنوا إلى اليأس من أجل ساعات سوداوات تأتي على الأمم! ذلك أن لكل حالة غاية، ولكل كرب نهاية، والليل الأسود يعقبه النهار الضاحي. اطلبوا العيش في المعامل والمكاتب، ففي أجوائها الساكنة تجدون طمأنينة النفس وسلامها. سلوا أنفسكم: ماذا صنعتِ أيتها الأنفس بالذي كان من تعليم وتثقيف؟ فإذا تقدمت السنُّ بكم فسلوها ثانية: وماذا صنعت لهذا البلد الذي من أرضه كان غذاؤك ومن مائه كان ماؤك. حتى إذا جاءتكم الشيخوخة فلعلكم عندئذ تجدون أكبر الهناءة في الإحساس الغَمْر اللذيذ بأنكم ساهمتم مع

<<  <  ج:
ص:  >  >>