للترحيب بميّت منشور، للترحيب بهؤلاء الرجال المرضى الذين ودّعوا بلادهم والأمل منهم مقطوع، فزاروا لا شك حرماً قدسيا لولي من أوليا الله، ثم عادوا يسعون على أرجلهم إلى ديارهم سعي الأحياء. وبعث قيصر الروس الأعظم إلى بستور صليب القديسة حنا الماسي ومائة ألف من الفرنكات ليبدأ بها في بناء بيت لصيادة المكروب. فقام هذا البيت في شارع ديتو وهو المعمل الذي يُسمى اليوم معهدَ بستور. وجاءه غير المائة ألف مال من العالم أجمع، من كل قطر من أقطاره، وكل ركن من أركانه، حتى تكدّست لدى بابه الملايين من الفرنكات ليبني بها المعمل ليقتنص فيه مكروبات فاتكة أخرى، وليجد لها فيه ألقحة ماضية أخرى. نعم تكدست الملايين على بابه، فقد كانت عاطفة قوية تلك التي أندت أكُف هذا الخلق الكثير، عاطفة قوية كالتي تثيرها المصائب إذا نزلت بالناس فادحةً شاملة
وتم بناء المعمل؛ ولكن كان عمل بستور في الحياة قد تم كذلك. فلقد كان نصره الأخير كبير الوقع في نفسه، ثقيلا على فِقار ظهر احتملت أثقال العمل الشديد مدة أربعين عاماً في تواصل لم يُسمع بمثله أبدا، فناء جسده تحت آخر الأحمال، وانقطع وتره بآخر الأثقال، فمات في عام ١٨٩٥ في بيت صغير كان على مقربة من البيوت التي حفظوا بها عندئذ كلابه المسعورة في فلنوف لياتنج ' على أطراف باريس. ولفظ آخر أنفاسه كما يلفظها الكاثوليكي العريق في كَثْلَكَته أو الصوفيّ وقد كانه طوال حياته: في إحدى يديه كان الصليب، وفي اليد الأخرى كانت يد أكثر أعوانه صبرا وأقلهم شهرة وأكبرهم خطرا - تلك مدام بستور. وكان حول سريره عَوْنه رو وعونه شمبرلاند، وأعوانه الباحثون الآخرون؛ أولئك البُحَّاث الذين براهم نشاطه الجمّ في حياته برياً؛ أولئك البحاث الذين أسلموا له المقاد فدار بهم في هجيرة العمل دوراناً مستديماً قاسياً مرا؛ أولئك الأعوان الذين أوحى إليهم من وحيه واقتبس لقلوبهم قبساً من قلبه؛ أولئك الخلصاء الذين خاطروا بأرواحهم في إنفاذ خططه الجامحة في محاربة الموت، قاموا اليوم حول سريره يودُّون أن يفتدوه لو أمكن الفداء
هكذا انتهت حياة هذا الرجل خير انتهاء. هذا الإنسان الغالي في إنسانيته، صائد المكروب ومنجي الأرواح، الثائر الوثّاب، الناقص الخطّاء!
ولكن لبستور خاتمة حياة أخرى يتجه لها خاطري أكثر من اتجاهه لهذه. كانت في عيد