الثالث والعشرين من يونيه، وفي صباح اليوم العشرين من ذلك الشهر حين لم يستطع نواب الشعب الاجتماع في دار الجمعية بحجة إعدادها لدخول الملك فقد توجهوا إلى ملعب التنس المجاور لها؛ وهناك وقد أخذ الحماس من قلوبهم كل مأخذ أقسموا أنهم لن ينفضواحتى يضعوا للأمة دستوراً، فكان هذا أحد أيام فرنسا المشهورة
ما للسفينة عجلى تسخر بالأنواء وتستخف بما يحيط بها من موج كالجبال؟ أدر الدفة يا ربانها ليس لها غيرك يوجهها إلى شاطئ السلامة!
دخل الملك في اليوم الموعود، وقد تكلف أكثر ما يطيق من الجد والحزم، وأعلن نقض قرارات ١٧ يونيه، وأمر أن تجلس كل طبقة على انفرد ليكون صدور الأصوات بالمجلس لا بالرؤوس، وعلى الجميع أن يصدعوا بما يؤمرون وإلا فانه (سيعمل ما تقتضيه مصلحة البلاد معتبراً نفسه نائبها الوحيد)
طرب الأشراف ومن يشايعونهم من رجال الدين لذلك الوعيد، وقاموا إلى مجلسهم بعد مبارحة الملك القاعة، وبقى نواب العامة في مكانهم جامدين. أخذتهم الحيرة فلا يدرون ماذا يفعلون، واستولى الرعب على أفئدتهم، فعلى وجوههم صفرة كئيبة، وفي عيونهم دهشة ومسكنة، ولكن ميرابو لم يخلق الفزع لمثله، فوثب من مكانه وفي عينيه الواسعتين نظرات الليث، وراح يزأر فيهم مذكراً إياهم بقسمهم. فأعاد إلى قلوبهم الحمية، ثم دار بعينيه فإذا كبير الأمناء يسأل النواب في صلف:(ألم يسمعوا أمر الملك؟) وفي تلك اللحظة الرهيبة التي ولدت للعالم عصراً جديداً يأبى القدر إلا أن يجعل من ميرابو ترجمانه، فيصرخ في رسول الملك قائلاً:(نعم أيها السيد! سمعنا ما أوعز إلى الملك بإلقائه علينا، ولست أنت، ولم يكن لك من مركز أو حق يبيح لك الكلام في هذا المجلس. نعم لست أنت الذي يذكرنا به. إذهب فقل لمرسيلك إننا هنا بإرادة الشعب، فلن نبرح مكاننا إلا على أسنة الحراب)
وتصايح النواب قائلين:(هذه إرادة الشعب). (الشعب لا يتلقى أوامر من أحد)، وقام سيس يذكرهم أنهم اليوم ما كانوا بالأمس؛ ولم يخن ميرابو حضور ذهنه وسط تلك الحماسة، فأعلنت الجمعية اقتراحه بأن رجالها منذ اليوم في حصانة، وأن التعدي عليهم جريمة كبرى!
أرأيت كيف هيأت بسالة ذلك الرجل له موقفاً أصبح فيه بحيث يتوقف مصير الحوادث