للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويصرف في غير مصارفه الشرعية. فكثير من الأراضي الخراجية التي لا يصح تملكها قد استحالت أرضاً عشرية يتملكها أفراد من المسلمين يؤدون عنها الزكاة التي مقدارها أقل من مقدار الزكاة. وكثير من الموالى أو مسلمي الأعاجم لا يزالون مع إسلامهم يؤخذون بالجزية لغير ما سبب سوى أن العمال لحظوا في إسلامهم معنى الفرار من الجزية فأبوا أن يعفوهم منها. هذا فوق أن هؤلاء الموالي لم يكونوا والعرب سواء في الحقوق، فكانوا يغزون إلى جانب العرب دون أن يكون لهم عطاء. ثم إن عدم إنفاق الزكاة في مصارفها الشرعية قد ادى إلى كثرة الفقراء والمساكين والمرضى والزمنى ممن جعل لهم الشرع حقا في الصدقات العامة ثم نظر فرأى بأس الأمة الإسلامية بينها شديد، قد توزعت الفرق المتباغضة والأحزاب المتناحرة، فمن شيعة يطوون الصدور على الإحن لما نالهم به بنو أمية من أذى ومساءة، ومن خوارج يتحينون الفرص لهدم النظام القائم وإحلال نظامهم محله، ومن موال قد ساءهم إلا يسوى بينهم وبين العرب في الحقوق العامة، ومن مضرية ويمينية وربعية كل يحاول أن يكون له النفوذ السياسي من طريق الولاية على الأقاليم والتأثير في السلطان نفسه. هذا في الداخل أما في الخارج فرأى عمر إن الجهاد الذي شرع على عهد النبي (ص) لمنع العدوان على النفس والعقيدة والذي كان على عهد الشيخين ضرورة اقتصادية ملحة قد استحال في زمن الأمويين أداة للتوسع في السلطان وجر المغنم الوافر والسبي الرائع حتى قال الشاعر:

ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب

نظر عمر في كل ذلك فرده إلى سبب جوهري واحد هو انحراف الجماعة الإسلامية عن الأساس الذي قامت عليه، أساس الدين. والدين عند عمر هو الدين المتصل بالحياة العامة يمدها ويغذيها بقوته المعنوية والممسك لشؤون الجماعة أن تضطرب وتصبح فوضى، هو الدين الذي أثره في الحاكم شعور قوي بالمسؤولية وعمل صادق على إسعاد العباد والترفيه عنهم والذي أثره في المحكومين اقتضاء للعدل إذا حرموه وأنفة من الضيم والذل إذا ما أريدوا عليهما، الدين عند عمر بن عبد العزيز: هو الحق والإنسانية عبر عنهما بلفظ واحد.

وبينا عمر يرسل الفكر في أنحاء الحياة الإسلامية العامة متعرفا عللها إذا به في الوقت نفسه قد أخذ يخضع لتطور نفساني عنيف. لقد أخذ حرصه على الترف والتنعم يضعف

<<  <  ج:
ص:  >  >>