تخافين؛ فخفت ونزلت القبر، وركبت وابور (لونابارك)؛ وقالوا وقالوا، وفعلت وفعلت، فذهب ذلك كله هباء، ورزقني الله مالاً كثيراً استطعت أن أفعل به كل ما وصفوا حتى السفر إلى أوربا واستشارة أطبائها، ولكن إذا أبى الله فماذا يفعل العبد؟
لم يبق لي من ذلك كله إلا التلهف على الولد والحسرة الدائمة؛ وكل شيء حولي يذكرني بالأولاد فيثير أشجاني وأحزاني. لقد رأيت في حديقتي أشجار البرتقال والليمون تحمل أثمارها فقلت يا لله! أتسبل نعمك على الأشجار فتحمل كل عام أثمارها، وتضنّ علي فلا أحمل مرة ثمرة! وعندي قطة تحمل دائماً وتضع ما لا يعد من الأولاد، وكلما حملت ذكرتُ حملي، وكلما ولدت بكيت أولادي الذين لم يوجدوا بعدُ؛ وأرى الفقيرات البائسات العاريات في الشارع كل واحدة منهن تحمل في بطنها ولداً، وترضع ولداً، وتجر ولداً، فيتجمع الحزن في قلبي، وتنفجر منه عيني؛ واسمع (معارفي) وصواحبي، هذه ولدت، ثم هذه ولدت، ثم هذه ولدت، فأقول لم يبق عقيما إلا أنا، ولم يتخصص للشقاء غيري! رزقني الله مالاً ولم يرزقني ولداً، وليته رزقني ولداً ولم يرزقني مالاً؛ ولو كان الولد يشرى بكل ما أملك لاشتريته وكنت سعيدة؛ بل لو كان يشرى بعينيّ لاشتريته وكنت رابحة في صفقتي. وما الدنيا والمال؟ وما الحياة بغير الولد؟ لقد كنت في أول أمري أطلب الولد خشية أن يتزوج زوجي غيري، فلما أمنت جانبه، واطمأننت من ناحيته، طلبت الولد لأنه طبيعتي ولأنه حياتي بعدي، ولأنه موطن انتساخ روحي، ولأني امرأة قد خلقت للأمومة. لقد أحسست بهذه الأمومة في صغري فعملت العرائس إرهاصاً لأمومتي، ثم تزوجت تهيؤاً لهذه الأمومة، فلما تقدمت في السن ولم أجد الأمومة رأيتني فقدت طبيعتي، ورأيتني في الحياة مقدمة بلا نتيجة، أو قبة بلا شيخ، أو لوزة فارغة، وأنا والعروس من الحلوى، والعروس من القطن سواء، كلنا لا يلد. ليس لي أمل في السلوة إلا بالموت. فهو وحده بلسم الهموم، ومقبرة الأحزان! وهنا ختمت حديثها - كما بدأته - بالدموع
قالت الأولى: والله لو ذقتِ مرارة الأولاد ما تمنيتِهم؛ ولو جربتِ سهر الليالي ما اشتقتهم؛ ولكن أحب شيء إلى الإنسان ما منع؛ والقصر من بُعد أجمل منظراً من سكناه؛ والخيال دائما ألذ من الحقيقة. لقد كان مرة أكبر أولادي يبكي وهو رضيع ولا نعلم سبباً لبكائه، ويبكي ويشتد في البكاء حتى بلغ معنا الهم مبلغه، وإذا بزفة عريس تمر من تحت بيتنا،