فلسفتهما ديناً ودينهما فلسفة. وليس في مقدورنا أن نأتي هنا على تفاصيل أوجه التوفيق التي حاولاها، وإنما نكتفي بالمسائل الرئيسية التي أدخلاها في الفلسفة والدين معاً. فنتبين النقط التي خالفا فيها أرسطو والحلول التي عرضناها لبعض المشاكل الدينية. وعلى هذا فأوجه التوفيق تنقسم إلى شعبتين، تتصل إحداهما بالفلسفة والأخرى بالدين، وكأن الموفقين شاءا أن يخطوا بالفلسفة نحو الدين في الوقت الذي قربا فيه الدين من الفلسفة؛ وكأن التصالح بين الطرفين، إن صح هذا التعبير القضائي، تم على تساهل متبادل وتضحية مشتركة. في الفلسفة الأرسطية ثلاث مسائل جوهرية تبعد عن تعاليم الإسلام: الأولى فكرة الإله ومدلولها الصحيح وتحديد صفات البارئ وخصائصه؛ والثانية الصلة بين الله والعالم وبيان ما إذا كانت الحركة والمادة محتاجتين إلى الله أو غير محتاجتين؛ والثالثة النفس وخلودها، نظرية كلامية ميتافيزيقية، وأخرى فلكية طبيعية، وثالثة سيكلوجية. هذه هي النقط الثلاث الهامة التي تباعد بين آراء أرسطوا وما جاء به الإسلام، وفي التعاليم الإسلامية من جانب آخر مشكلتان عظيمتان هما: مشكلة النبوة ومشكلة السمعيات. وقد شغل الفلاسفة بهما وعنوا بتفسيرهما تفسيراً علمياً ينطبق على مبادئ البحث العقلي. وسأعرض عليكم سريعاً أوجه الخلاف هذه وطريق علاجها
لم يعن أرسطو عناية خاصة بمعرفة الله، ولم يعتبرها غرضاً رئيسيا لفلسفته، ولم يدخلها في قوانينه الأخلاقية ولا في نظمه السياسية، ويظهر أنه نظر أولاً إلى العالم الحسي وبين أسبابه وعلله دون أن يفكر في قوة خفية تدبره، وبعد أن استكملت الطبيعة وسائلها وانتظمت الأفلاك في سيرها انتهى به المطاف إلى محرك أول أخص خصائصه أنه يحرك غيره ولا يتحرك هو. هذا المحرك الساكن أو المحرك الصوري هو الإله في رأيه، ولا يذكر من صفاته إلا أنه عقل دائم التفكير، وتفكيره منصب على ذاته. فإذا ما طالبته بتفاصيل أكثر وبيان أشمل ألفيت نفسك أمام صمت عميق وسكون مطبق. ذلك لأنه يتحرج عن الكلام في المسائل الدينية، ويعدها فوق مقدور البشر، ويصرح بأن الكائنات الأزلية الباقية وإن تكن رفيعة مقدسة ليست معروفة إلا بقدر ضئيل. وليت أرسطو وقف عند هذا الحد، بل جاوزه إلى ما هو أقبح وأشنع، فإن نظرياته المختلفة تشعر بتردد بين الوحدة والتعدد. حقاً إنه ينادي بالوحدة مردداً قول هومير إنه (ليس حسناً أن يكون هناك سادة