متعددون) ويلاحظ أن وحدة نظام العالم تستلزم وحدة سببه الغائي، ولكنه يقرر في مقام آخر أن لكل فلك محركا خاصاً لا يختلف كثيراً عن المحرك الأول والإله الأعظم. فالأفلاك وحركاتها تقوده إلى التعدد وإن جهر بالوحدة وبرهن عليها، وبذا لم يستطع التخلص تماماً من التقاليد الإغريقية القديمة التي كانت تعتبر النجوم آلهة. ففكرة الإله عنده غامضة وغير متمشية مع مذهبه، ولا تشغل حيزاً واضحاً في فلسفته، وأراني في غنى عن أن ألاحظ أن هذه الفكرة تختلف كل الاختلاف عن العقيدة الإسلامية. لذلك اضطر الفلاسفة المسلمون أن يبينوا حقيقة الله ويشرحوها شرحاً لا يدع مجالاً للإبهام والشك؛ وقد أثبتوا أن الله هو الموجود الأول والسبب الحقيقي لسائر الموجودات، وأنه منزه عن الشريك والنظير والمثيل والضد، هو الإله الواحد الحي القادر العليم الحكيم السميع البصير. يقول الفارابي:(الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات كلها وهو بريء من جميع أنحاء النقص. . . فوجوده أفضل الوجود وأقدم الوجود ولا يمكن أن يكون وجود أفضل ولا أقدم من وجوده. . . فهو أزلي دائم الوجود بجوهره وذاته من غير أن يكون به حاجة في أن يكون أزلياً إلى شيء آخر يمد بقاءه، بل هو بجوهره كاف في بقائه ودوام وجوده. . . وهو مباين بجوهره لكل ما سواه ولا يمكن أن يكون الوجود الذي له لشيء آخر سواه). وفي هذا المعنى يقول ابن سينا إن (الأول لا ند له ولا ضد له ولا جنس له ولا فصل له فلا حد له ولا إشارة إليه إلا بصريح العرفان العقلي. وهو معقول الذات قائمها، فهو قيوم بريء عن العلائق والعهد والمواد وغيرها مما يجعل الذات بحال زائدة. وقد علم أن ما هذا حكمه فهو عاقل لذاته معقول لذاته. تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول ووحدانيته وبراءته عن الصمات إلى تأمل لغير نفس الوجود ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله وإن كان ذلك دليلاً عليه، لكن هذا الباب أوثق وأشرف، أي إذا اعتبرنا حال الوجود فشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود. وإلى مثل هذا أشير في الكتاب الإلهي: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم). أقول هذا حكم لقوم؛ ثم يقول:(أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟) أقول إن هذا حكم الصدِّيقين الذين يستشهدون به لا عليه)، وقد برهن الفيلسوفان على وحدة الله بطريقة مبتكرة وفي مهارة ولباقة خلابتين، وإذا كان الله واحداً فإنا لا نستطيع أن نتصور له صفات خارج ذاته، بل هو عالم حي سميع