ولكن هل يدنو اليأس من ميرابو؟ كلا. فما كان ليزداد على الشدة إلا مضاء وعزماً، فوقف كالطود يتلقى عن البلاد السهام ويطرد عنها شبح الحرب، ويجد في إنقاذها من الجوع، ويسعى في التقريب بين الملك والثورة، يواصل العمل طيلة يومه وشطرا من ليله حتى لقد قال عنه كاي ديمولان:(لقد كان يوم هذا الرجل بعشرة أيام من عمر غيره)
ولكن الموقف ازداد سوءا على سوء حين وقفت الجمعية موقفها من رجال الدين وأعلنت الدستور المدني للكنيسة بحيث صار منصب الأكليروس بالانتخاب على أن تدفع لهم الحكومة أجرا ويستولي على أراضي الكنيسة وعشورها مما أغضب البابا وأزعج الملك فأعلن اعتراضه على قرارات الجمعية، ولكن أنى للجمعية أن تفرض له اليوم وجودا؟ لقد أجابت على عمله بأن من لا يقسم اليمين على احترام ذلك الدستور جزاؤه الطرد
أدر الدفة يا ربانها! لكن الأيدي تتكالب اليوم عليها والريح جانحة عاتية. والربان يغالب المرض ويتحامل على أعصابه، بل ويستمهل الموت. ما باله يدخل الجمعية في مارس سنة ١٧٩١ مصفوراً مضعوفاً على خلاف عادته، ما باله يكتنز كل يوم وما بال بريق عينيه يتضاءل لولا ما يشع فيهما من يقين وعزيمة؟ ترفق أيها الموت بالربان! إنه رجل أمة بل إنه أمة في رجل!
يا لقسوة القدر! ولكن أنى لجسم مهما كانت قوته أن يطيق مثل ذلك المنصب؟ وحسبك أن تعلم أنه خر مغشياً عليه في أواخر مارس وهو في طريقه إلى الجمعية ولكنه على الرغم من ذلك وصل إليها وألقى خطاباً مطولا. لا. إنه يسر إلى صديق من أصدقائه أنه يموت!
وفي أوائل أبريل في أشد ما تكون الحاجة إليه يرقد هذا الطود الأشم، ويحيط الناس بمنزله من جميع الطبقات والهيئات، والأطباء يصدرون تقاريره مرة كل ثلاث ساعات، والملك يستفسر في السر مرات وفي العلن مرات، والأندية تستنبئ عنه بلا انقطاع، والشعب يعلق أنفاسه في انتظار ما يطمئنه وقد غشيه من الهم ما غشيه
والرجل عظيم في الموت كما كان عظيما في الحياة، يقول لصديق يستند له رأسه:(ليتني أعيرك هذا الرأس) ويسمع صوت المدفع فيقول: (أهكذا يحتفى بدفني كأخبل) ويتذكر الملكية فيقول والأسف يمزق نياط قلبه: (إني أحمل معي الملكية إلى القبر) ويفيق الناس من غشيتهم على الخبر الفاجع، فتفيض عيون وتدمى قلوب، ويخرج شعب بأسره يشيع