للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدستورية، ولكن الجمعية أوشكت أن تتم الدستور في سبتمبر وجعلت حق الملك في الاعتراض على القوانين حقاً معلقاً، ولم يسع الملك سوى الإذعان، فلقد أصبحت باريس قوة خطيرة وظهر اليعاقبة أبطال الإرهاب فيما بعد واستهان الناس بالملكية واجترأت عليها الصحف والأندية

على أن الأمر قد أصبح اليوم أعظم خطراً من الدستور وما يتعلق بالدستور. فلقد يئس الملك من الثورة وما تدعوا إليه ويئس أصحاب الثورة من الملكية وما تحافظ عليه، ولذلك لم يكن عجباً أن يلجأ الملك إلى أعداء فرنسا، وأن يلجأ الثوار إلى الاستعداد واليقظة حتى لقد عول الملك على الهرب سراً!

وكان ميرابو الرجل الوحيد الذي لم يأخذه دوار الزوبعة فألم بالموقف من شتى نواحيه، وتمثلت لعينه الساهرة تلك الهوة السحيقة التي أوشكت أن تتردى فيها البلاد، فتلفت حوله عله يصيب من يعينه، فهذا موقف يتطلب معونة الرجال، ولكن بصره وا أسفاه ارتد إليه خائباً، فلقد أبى سوء طالعه، أو على الأصح سوء طالع فرنسا إلا أن تحرم من خبرة الرجل الوحيد الذي كان يستطيع خدمتها، إذ أحيط بالريبة من جميع الجهات. تطلع إلى الملكة وكان يقول: (إنها الرجل الوحيد في حاشية الملك)، ولكن الملكة لم ترى فيه سوى صعلوك يتكلف خلال العظماء على حساب الظروف، وتطلع صوب الملك، ولكن الملك ما وثق به يوماً وما كان يرى فيه إلا خصما يظهر عكس ما يبطن، ولذلك اتقى شره فاشتراه بماله واحتمى خلفها. كتب شاتوبريان بعد الثورة يقول: (كانت المأساة الحقيقية أن الملك في أحرج أيامه لم يثق في هذا الرجل، وما كان يضره أن جاء ذلك متأخراً. وما كان يضره أن يعمل بنصائحه أو أن يتقبلها قبولاً حسناً ولو في ظاهر الأمر، وأي مأساة لعمري أفظع من أن تهيئ الأقدار رجلاً مثل هذا، وفي مثل هاتيك الظروف فلا ينتفع به؟! على أنه وقد أعوزه الرجال قد اهتدى إلى رجل واحد، وذلك هو شخصه، هو نفسه، فأطلع الملك على جلية الأمر ذاكراً له أن الهرب معناه التنازل عن العرش وضياع حقه فيه، وما على مولاه سوى أن يخرج في جيشه إلى مدينة غير باريس فيتحاكم إلى شعبه طالباً إنصافه ومعونته معلناً رضاءه عن مبادئ الحرية والمساواة، ولو فعل لانتصف له الشعب، ولكنه لم يفعل وما كان مثله ليستطيع ذلك، وليس من يفكر في الهرب بقادر على أن يواجه الحقائق

<<  <  ج:
ص:  >  >>