ذلك بأنه قوة مستنفدة لا قوة منتجة من ناحية، ولأن الحاجات التي يستنفدها لا ينتج ما يقابلها لصالح الجمعية من ناحية أخرى. وبذلك يصبح المتعطل عبئاً على الحاضرة التي يسكنها، وعبئا على العناصر المنتجة معاً. وهنا يتضاعف تطفله، إذ يصبح متطفلاً باعتبارين: الأول أنه يزاحم أهل المدن ويشاركهم أرزاقهم من غير إنتاج من ناحية، والثاني أنه يرهق العناصر العاملة في الريف بأن يستهلك ولا ينتج، وبالأحرى بأن يأخذ ولا يعطي
ومن تلك الحالات ما يسميه الاجتماعيون (الجشع الاجتماعي) ولا أريد هنا أن أطنب في تعريف (الجشع الاجتماعي) ولا أن أناقش في مختلف التعاريف التي وضعها المؤلفون الذين أتيح لي الاطلاع على مؤلفاتهم، وإنما اقتصر على ذكر حالات يستطيع القارئ أن يدرك منها، مطبقة على حالات تقوم بين ظهرانينا، ما يقصد بالجشع الاجتماعي
وعندي أن أخبث ما يؤدي إليه الجشع الاجتماعي من تكييف عقلية طبقات خاصة في مجتمع ما بمقتضياته، إنما ينحصر في أن تتطفل جماعات، لا أفراد، على جسم الكائن الاجتماعي. وقد تلبس الجماعات التي تنتابها سورة الجشع الاجتماعي صوراً مختلفة، فمن اتحادات تجارية إلى اتحادات صناعية إلى جمعيات علمية أو اقتصادية أو سياسية، تتخذ التأثير في عقلية الجماهير بمختلف، الوسائل طريقاً تسلكه إلى غرضها الذي ترمي إليه، والذي يجعلها جديرة بأن تنعت بأنها جماعات مصابة بجنون الجشع الاجتماعي. أما ذلك الغرض فينحصر في أن تنال من الجمعية أقصى ما يمكن أن تصل إليه من الربح المالي أو النفوذ أو السلطة أو الجاه أو الحكم بأقل جهد ممكن أن يبذل أو تضحية من ناحيتها
وفي مثل هذه الحالات تتضاعف خبائث التطفل الاجتماعي بأن يصير تطفلاً (مركباً) لا تطفلا بسيطا. ونعني بالتطفل (المركب) أن هذه الجماعات المصابة بجنون الجشع الاجتماعي يكون فيها عنصر خاص يعيش متطفلاً على جسم الجماعة نفسها. ذلك العنصر هو عنصر انتهازي لن تسلم منه جماعة أصيبت بذلك المرض الخبيث. فكما أن الجماعة تتطفل على جسم المجتمع، يتطفل ذلك العنصر الذي هو (واجب الوجود) فيها بمقتضى تكوينها النفسي، على بقية عناصرها
وتسير قافلة المتطفلين، ولكن إلى البوار الصرف. مثلها كمثل حُيَيَّات زرعت على مادة