والصالحية) مرجلة شعورهم، مصقولة وجوههم، يسيرون مائلين مميلين. . . فصبرت وتجلدت، ورجعت تجرين كما كنت منذ ثلاثة آلاف سنة. . . كأنك لا تحفلين شيئاً؟
لقد عشت عزيزة مكرمة، منذ وطئت هذه الأرض أول مرة، فلم ينتهك حرماتك أحد، ولم يعث في حرمك الآمن عائث، رغم الحوادث والأرزاء، أفانتهى بك الأمر أن يقتلك بستاني؟. . . لقد سقيت هذا البستاني وأباه وجدّه ومن قبلهم إلى أربعة آلاف جد، أفكانت عاقبة هذا الإحسان أنه لم يبن بيته إلاّ على رفاتك، ولم يكن أساس منزله إلاّ قبرك؟ لا بأس أيتها الساقية، فإن الإنسان مذ كان منكر للمعروف جاحد للإحسان. . .
لا بأس، فأن ملكاً لن يدوم، ولقد رأيت الترك والروم واليونان، فهل رأيت ملكاً يبقى، أرأيت الدنيا دامت على أحد؟ أما كانت دولة الترك عظيمة؟ أما جلّت دولة الرومان؟ أبقي من هذا كله شيء؟ لا، يا أيتها الساقية إنه لا يبقى إلا الإسلام، لأنه من ملك الله الباقي. . .
رحمة لك أيتها الساقية، وسلام على تلك الأيام الجميلة التي عشت فيها إلى جنبك، لا أعرف هم الدنيا ولا نكد الحياة، لقد كنت أفرّ إليك من عصا الشيخ، وعقاب المعلم، فتؤويني وتحميني، فلمن أفر اليوم من حياتي التي ضاقت على، ونفسي التي برمت بها؟
لقد ضعتُ كما ضعتِ أيتها الساقية، وجفْت آمالي كما جففت، وانتهى بي المطاف أن أكون شيخ كتاب! ولكن لا بأس أيتها الساقية. . . فأن الدنيا لا تدوم على حال. فرحمة لك، وعلى ذكراك السلام!