ونخلص مما تقدم إلى أن الجاحظ كان رجلا مثقفا بكل معنى الكلمة، ولأقصى درجة من درجات الثقافة العالية، فقد وعى أدبه ثروة وجمالا وملاحة، وحوى علمه براعة الملاحظة وصدق التجربة، وتغلغلت نفسه في أعماق نفوس البشر ونفوس الحيوان. وسلك مذهب الحرية في الدين فأحب جمال الدين وشعر العقيدة. ولم يتحرج من اعتناق مذهب المعتزلة برغم مخالفته للرأي السائد. وقصارى القول أن الجاحظ أديب العلماء وعالم الأدباء غير مدافع؛ وفيلسوف عملي لا مذهبي وعالم يكثر الملاحظة والتفكير. وملاحظاته أغزر من تفكيره. فجدير بنا بعد هذا أن نتذوق ثقافته فنذوق روح الحياة وننشق عطر البحث ونستمتع بجمال الأسلوب ولذة المعرفة.