للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الكتب نفسيات الحيوان والطير والحشرات وتحدث عن أخلاقها وطباعها وعاداتها وضمنها معلومات عجابا وملاحظات دقاقا تشهد بسعة ثقافة الجاحظ وبأنه أنفق عمرا طويلا في معاشرة الطير ومؤالفة الحيوان ومراقبة الحشرات، وانه هام من أجل ذلك في الغياض وتوغل في بطون الأودية وركب البحار وسكن الصحاري ونبض قلبه مع النبات واهتز لسحر الطبيعة: ففي كلامه عن الحيوان تحدث عن نبالة الكلب وذكر انه يتخير أنبل موضع في المجلس، وتحدث عن القط وذكر انه لئيم خؤون وشره شديد الشراهة. وفي الوقت نفسه يؤثر أولاده بالأكل على نفسه!

وتكلم عن الديك وإيثاره الدجاج على نفسه في سن الشباب؛ فإذا هرم صار أنانيا لا يعرف إلا نفسه. وتكلم عن الفيل وجرأة قلبه وقوة عزمه بينما هو يفزع من القط فزعاً شديدا! وتكلم عن اليربوع وسعة حيلتها وانها علمت الفرس والروم الاحتيال واتخاذ المطامير على تدبير بيوتها. وأفاض في ذكر عداوة الحيوان بعضه لبعض، فالأسد عدو للكلب يشتهي لحمه والذئب يشتهي لحم الثعلب والثعلب يصيد القنفذ وهكذا. وفي الفصول التي عقدها عن الطير أفاض في ذكر الحمام والعصافير. فذكر أن العصافير لا تقيم في الدار إذا خرج أهلها منها وأنها شديدة العطف والبر بأولادها وتحتمل الأخطار في سبيل الذود عنها. وتحدث عن الحمام فذكر حبه للناس وأنس الناس به وأنه لا يهجر الدار إذا هجرها أهلوها وأنه لا يغير. . . وفي الفصول التي عقدها عن الحشرات تكلم عن النحل وكمال غريزته وعن خلق الخلية وما فيها من غرائب الحكم وعجائب التدبير وكيف يتضافر النحل في عمل الخلية. فمنه ما يقوم بجمع المادة من الشجر والزهر. ومنه ما يبني البيت ومنه ما يقوم لعمل الشمع. وتكلم عن العنكبوت وبداعة نسجه. وطريقته الحكيمة في صنع مصيدة من خيوطه لإيقاع الذباب وصيده. وتكلم عن عداوة القنفذ للحية والحية للعصافير والعصافير للجراد والجراد لفراخ الزنابير والزنابير للنحل والنحل للذباب والذباب للبعوض، وغير هذا من أجناس هذه المعلومات وأشباهها مما وعته صفحات كتب الحيوان. وقد ذكرنا وشلا منها، ولا ريب أن المشتغلين بعلم النفس يجدون في هذه الكتب معلومات قيمة مفيدة. وبالأخص المهتمون بعلم النفس التجريبي الحديث الذي تدور بحوثه على درس الحيوان والحشرات. فجدير بنا أن نهتم بهذه الكتب التي سبقنا الغربيون إلى تعرف خطرها وقدرها

<<  <  ج:
ص:  >  >>