للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أثر من النزلة الشُّعبية؛ وإذا تندَّى الصوف وجب نزعه وإلا فهي العلةُ ما منها بد

ثم لم تكن غير ساعة انخرقت الريح وجعلت تعصف وبَرَدَ الجو فأيقنت أنه الزكام، وقلت في نفسي: هذا بابٌ على حِدَة، والمقالة ذاهبة لا محالة فيستخلَّف الذهن ويتبلَّد؛ والشيطانُ كريم في الشر يعطي من غير أن يُسأل. . . .

وثقل ذلك عليّ فكان الغم به علةً جديدة، بيد أني لم أزل أرجو الفرصة في أحد اليومين السبت والأحد. وقلت: إن من البلاء الفكرَ في البلاء، ولعل من السلامة الثقة بالسلامة؛ فإذا نبهتُ العزيمة رجوتُ أن يتغلغل أثرها في البدن كله فيكون علاجاً في الدم يحدث به النشاط ويُرهَفُ منه الطبع وتجمُّ عليه النفس. وفي قوة العصب كهربائية لها عملها في الجسم إذا أحسن المرءُ بعثَها في نفسه وأحكم إفاضتها وتصريفَها على طريقة رياضية؛ ولهي الدواء حين يعجز الدواء وهي القوة حين تخذل القوة

فاعتزمتُ وصمَّمتُ واحتلتُ على الإرادة وتكثرتُ من أسباب الثقة وترصّدتُ لها السوانح العقلية التي تسنح في النفس وقلت لإبليس: اجهد جهدك فما تذهب مذهباً إلا كان لي مذهب؛ ولكن اللعين أخطر في ذهني قول القائل يسخر بذلك الكاتب البغدادي

لو قيل: كم خمسٌ وخمسٌ لاغتدى ... يوماً وليلتَه يَعُدُّ ويَحْسُبُ

ويقول: مُعْضِلةٌ عجيبٌ أمرُها ... ولئن فهمتُ لها، لأمْرِيَ أعجبُ

خمسٌ وخمسٌ ستةٌ أو سبعة ... قولان قالهما الخليلُ وثعلبُ

ثم أجمعتُ الرجوعَ من يومي إلى (طنطا) لأتقي البردَ بعلاجه إن نالني أثره، وكان عليَّ وقتٌ إلى أن يقوم القطار، فذهبتُ فقضيت واجباً من زيارة بعض الأقارب في ضاحية (الجيزة)، ثم ركبت الترام الذي أعلم أنه ذاهب إلى محطة سكة الحديد

وجلست أفكر في إبليس ومقالته، والترام ينبعث في طريقه نحو ثلث الساعة، حتى بلغ الموضوع الذي ينعرج منه إلى المحطة، وهو بحيال (جمعية الإسعاف)، حيث تنشعب طرق أخرى؛ وكنت منصرفاً إلى التفكير مستغرقاً فيه، طائف النظرات على الجو، فما راعني إلا اختلافُ منظر الطريق؛ وأنتبه فإذا الترام يَمْرُق مروق السهم في تلك السبيل الصاعدة إلى (الجيزة). . . . من حيث جئت

فلعنت الشيطان وتلبثتُ حتى وقف هذا الترام فغادرته ورجعت مهرولا إلى ذلك المنشعب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>