مع كثير من النصوص الدينية. لذلك كانت مثار اعتراض وموضع أخذ ورد لدى مختلف الطوائف والفرق الإسلامية. ونستطيع أن نقول إن المدرسة الفلسفية العربية إذا كانت قد نجحت في أن تلفت الأنظار نحوها فذاك راجع إلى أبحاثها الدينية، غير أنها لقيت كذلك حتفها من هذا الطريق. وفكرة الخلق أو (الفيض) التي قال بها الفارابي وابن سينا لا تقنع رجل الدين في شيء كثير، وليس لها من الخلق إلا اسمه وصورته دون حقيقته ومعناه. وهذا بالدقة ما أخذه عليها الغزالي وحمل عليه حملة عنيفة سنعرض لها بعد قليل
والآن ننتقل إلى الشعبة الثانية حيث نفسر بعض الأمور الدينية تفسيراً علميا. وأول هذه الأمور النبوة التي هي عماد الدين وأساسه. فإن قيمة الإسلام وكل دين سماوي موقوفة على التسليم بالوحي وقبوله عقلا. وأن من ينكر الوحي أو يستبعد حصوله يطعن الدين في ركنه الأول وأساسه المتين. لهذا لجأ الفلاسفة المسلمون إلى إدعام النبوة على قواعد فلسفية وسيكلوجية. وأثبتوا أن الإلهامات الخفية التي يصل إليها الأنبياء ليست إلا ضربا ساميا من المعلومات الإنسانية. وسنعرض لهذه النظرية بوجه خاص بعدُ
وأخيراً لم يبق أمامنا إلا السمعيات، وهي كما تعلمون تلك الحقائق الدينية التي أخذت عن الكتاب والسنة واعتمد فيها على السمع وحده كالرسل ومعجزاتهم والملائكة وصفاتهم واليوم الآخر وما فيه من سعادة وأهوال، وسنكتفي بذكر أمثلة من هذه السمعيات لنتبين كيف حملها الفارابي وابن سينا على محمل فلسفي. قد يكون من الفضول أن أنقل إليكم رأي المتكلمين وأهل السنة خاصة في الملائكة والعرش واللوح والقلم والحشر والنشر. فهم يذهبون إلى أن الملائكة كائنات نورانية لطيفة قابلة للتشكل بمختلف الأشكال، لا تأكل ولا تشرب ولا تعصي الله أبداً، ويفهم بعضهم العرش واللوح والقلم على حقيقتها الحسية، ويعتقدون أن الحشر والنشر لن يكونا للأرواح فقط، بل سترد إلينا أجسامنا ونعود سيرتنا الأولى. أما الفارابي فيرى أن الملائكة ليست شيئاً آخر سوى تلك العقول التي تحرك الأفلاك المختلفة والتي حدثتكم عنها قبل. واللوح والقلم لا يقبلان تغييراً آخر غير هذا التفسير المعنوي الروحي. وهاهو ذا الفارابي يعبر عن رأيه قائلا: (لا تظن أن القلم آلة جمادية واللوح بساط مسطح والكتابة نقش مرقوم بل القلم ملك روحاني واللوح ملك روحاني والكتابة تصوير الحقائق. فالقلم يتلقى ما في الأمر من المعاني ويستودعه اللوح