الاصطلاح الفني المقبول يعبر رأساً عن معنى العقل الذي يقع عليه فإن الاصطلاح الخاص بالعرض - وهو الإيجاب - يتناقض تناقضاً ظاهراً مع الدور المخصص لفعله لو اعتبر العقد، كما هو الواقع، آتياً من الجانبين. فهو يصف العرض الذي هو فعل البائع في مثالنا السابق كأنه يجعل العقد واجباً نهائياً مختوماً عليه لا رجوع فيه، بدليل معنى كلمة الوجوب في شواهد كثيرة؛ منها حديث مشهور إذ يقول النبي عن رجل أسلم ثم استشهد على الأثر: وجبت له الجنة. وعلى النقيض من ذلك فإن العقد ذا الجانبين لا يصير واجباً إلا بقول عرض سابق، بينما التصرف من جانب واحد على نحو ما أسلفنا يطابقه ذلك الاصطلاح تماماً. إن هذا العصر الجاهلي يكشف لنا عن أرض عذرية واسعة خصيبة لأبحاث مستقبلة
والمسألة الثانية التي أود أن أتناولها تتصل بعصر هو أحسم من غيره في تاريخ الشرع الإسلامي أعني عصر فقهاء المدينة السبعة. وقد كان الاعتقاد إلى الآن أن عمل هؤلاء الفقهاء الأولين للإسلام كان وضع نظام للفقه يطابق حاجات عصورهم المختلفة. ولكن الأبحاث التي جعلتنا أكثر معرفة بحالة القانون العربي في العصر السابق للإسلام هي نفسها التي علمتنا أن نقدر عمل هذا العصر الآخر بأدق مما كنا نفعل، فهذا العمل قبل كل شيء إدخال المبادئ الإسلامية في قانون كان قد نما إذ ذاك نمو كافياً. وأصحاب الفضل الأكبر في إدخال المبادئ الإسلامية في القانون العرفي الجاهلي كانت تضمهمّ دوائر الأصحاب والتَّابعين وتابعيهم في المدينة. كانوا يعملون على نفاذ الحياة بأسرها ومنها الحياة التشريعية بقواعد دينية أخلاقية، وهذه القواعد كانوا يستمدّونها ويستنتجونها قبل كل شيء من الآيات القرآنية الشرعية ثم من الأحاديث. فالأحاديث التي كانوا يأخذون بها ترجع بلا شك إلى عصر قديم جداً. ومن الجدير بالذكر أن الأبحاث الحديثة أفضت بالعلم الأوربي إلى تعديل تشككه في صحة بعض الأحاديث - ذلك التشكك الذي كان يغالى فيه أحياناً. فكثير من تلك الأحاديث لا يذكر أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله التي كانت تصير قواعد جديدة، بل يذكر أن النبي قرر وأجاز عادات أصحابه باستصوابها صريحا أو ضمنياً دون أن يستنكرها. وهذا هو البرهان المباشر لما نسمّيه استمرار السنن القانونية السابقة في الشرع الإسلامي. ولقد كان من نتائج هذا التطبيق المحتوم المنظم لأعمال القرآن والسنة أن