أنصاره، فأخذوا يتقربون إلى أهل الحديث، ويتركون الاعتماد على هذه القواعد العامة الثابتة في الدين باليقين، إلى أن صاروا من هذا الأصل الجليل إلى قاعدة القياس التي لابد فيها من الاعتماد على أصل معين من الحديث الثابت بالظن
وإني أرى في هذا الأصل أيضاً أن نرجع فيه إلى ما كان عليه في عهده الأول من الشمول والاتساع، ولا نقتصر فيه على إلحاق الشبيه بالشبيه، ولا يخفى أن السنة قد اختلفت رواياتها اختلافا كبيرا ولابد من تحكيم الرأي فيها تحكيما مطلقا، ولست أدري معنى لتحرجنا الآن من تحكيم الرأي في علم الفقه وهو من الفروع بعد أن صرنا أخيرا إلى تحكيمه في علم الكلام وهو من الأصول، وقبلنا فيه عند تعارض دليل العقل النقل أن نرجح دليل العقل على دليل النقل، ويكون هذا بتأويل دليل النقل أو ترك أمره إلى الله تعالى
وهذا هو ما أراه في هذه الأصول الأربعة التي يقوم عليها الاجتهاد في الإسلام، وقد اقترحت في مقالي الثاني في هذا الموضوع عقد مؤتمر إسلامي من جميع المذاهب الإسلامية الباقية لفتح باب الاجتهاد فتحاً صريحا، وتنظيم أمره تنظيما يقضي على ما يساور نفوس أنصار التقليد من الخوف على الذين من فتحه
وهناك أمر خطير له أثره في تسهيل أمر الاجتهاد علينا، وفي القضاء على هذه العزلة في الاجتهاد بيننا وبين باقي الطوائف الإسلامية، وذلك هو تأليف كتاب في الفقه على جميع المذاهب الإسلامية، تجمع فيه أقوال الأئمة من سائر المذاهب المعمول بها الآن وغيرها، وتبين فيه مآخذها التي اعتمدوا عليها فيها، وهذا هو العمل الخطير الذي يجب أن يمهد به لفتح باب الاجتهاد من يدعون الآن إلى فتح بابه، وهذا هو باب المجد مفتوح على مصراعيه للرجل الذي نريد منه البدء بالعمل قبل أن تفوت عليه فرصته، ويكون للتاريخ بعد ذلك حكمه فيه، وقد بلغت اللهم فاشهد
اللهم إني لا أدعي العصمة فيما قلت، وفيما سأقول في هذا الموضوع، وإنما أريد أن أعرض رأيي فيه على صفحات مجلة (الرسالة) الغراء، فأن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي، وإني حيثما أعرض رأيي في ذلك على صفحات هذه المجلة، فأنه سيصبح في يوم ظهورها مقروءاً لألوف الألوف من علماء الدين وغيرهم، فتشترك فيه الآراء،