تتفق فيها الكلمة، أما الإجماع لا يقبل تأويلاً ولا جمعاً، ولهذا أرى أن نحذف هذا الأصل من الأصول التي يرجع إليها في الاجتهاد، وأن نرجع مباشرة إلى النصوص التي لابد من استناده إليها، فقد يفتح الله علينا فيها بفهم جديد غير ما فهموه منها، وقد نصل بذلك إلى حل كثير من مشاكلنا الفقهية، ولا يوجد أمامنا من هذا الأصل عقبة تقف في سبيلنا
وأما القياس فهو الأصل الذي بقي لنا من أصل الرأي الذي كان يأخذ به بعض كبار الصحابة مثل عمر وعثمان وغيرهما، وكان يعرف به قوم من الفقهاء يلقبون بأهل الرأي، وهو أتم من القياس شمولا، وأكمل منه اتساعاً، إذ كان على ما يظهر من فتاويهم عبارة عن الحكم الذي بيني على القواعد العامة للدين كقوله صلى الله عليه وسلم:(لا ضرر ولا ضرار) وقوله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ولم يكونوا يهتمون بأصل معين يشبهون بمحله الحادثة التي يفتون فيها، كما يجب ذلك في القياس، ومن هذا إسقاط عمر سهم المؤلفة قلوبهم مع أن القرآن عدهم من المستحقين، وإسقاطه الحد عن السارق عام المجاعة، وتركه التغربب في الزنا بعد أن لحق أحد المغربين بالروم وتنصر، وجعله الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ثلاثا بعد أن كان واحدة على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وصدر من إمارته، وله من ذلك كثير
وقد حدث بعد هذا أن أخذ قوم يذمون هذا الرأي، وكان ذلك بعد ظهور العناية بجمع السنة وتدوينها، وقيام فئة من العلماء بذلك عرفوا بأهل الحديث، فشنوا غارة شعواء على أهل الرأي، وأخذوا يقولون إن الشريعة أجل وأرفع من أن تكون مجالا لآراء أهل الرأي من العباد، لأنها من الله كتاباً كانت أم سنة، وما كان كذلك يكون أبعد من الخطأ والاختلاف، والرأي من الإنسان، وهو عرضة لأن يخطئ وأن يصيب، وهنا يكون الاختلاف والفرقة، وقد نهينا عنهما - إلى غير هذا من أقوالهم في التشنيع على أهل الرأي
وهي كما ترى أقوال فيها كثير من الغلو، لأن الرأي إذا كان مبنياً على القواعد العامة للدين فهو من الله أيضاً، وهذه الفرقة التي يخشونها منه حاصلة بدونه كما نرى، وليست كل فرقة مذمومة في الدين، إنما المذموم فيه الفرقة المؤدية إلى التنابذ والتخاصم، والاختلاف في الرأي لا يصح أن يؤدي إلى شيء من هذا، مادام يكون رائدنا فيه الإخلاص وصدق النية
وقد وجدت هذه الأقوال في ذم الرأي آذاناً صاغية من الجمهور، وكان لهذا أثره في نفوس