وتوسعة، ولكن هذا القول لا يؤخذ على إطلاقه، بل تقف تلك الخصومة السياسية دونه، وتجعل في هذا الخلاف ما لا يكون معه رحمة خالصة، وتوسعة عامة
وإنه ليمكننا الآن بعد ذهاب تلك الخصومة أن نعتبر من اجتهاد أئمة الشيعة والخوارج ما نعتبره من اجتهاد أئمة أهل السنة، ولا يقوم ما يحول دون ذلك إلا تغالينا في علم الجرح والتعديل الذي وضعناه بجانب علم الحديث، مع أن هذا العلم لا يعتمد إلا على ظواهر الرجال، وغاية ما يفيده الظن دون اليقين ولا يوجد ما يمنعنا بعد التخفيف من ذلك التغالي من أن نعتمد من رجال كل من أهل السنة والشيعة والخوارج من اعتمدوه، ونرفض منهم من رفضوه، وكذلك لا يوجد ما يمنعنا بعد التخفيف من ذلك التغالي أيضاً من الانتفاع بالحديث الضعيف في التشريع، والأخذ به عند الحاجة إليه، فلا نرفض من الأحاديث إلا ما ثبت أنه موضوع بيقين، ولا نتهم من رجال الحديث إلا من ثبت عليه الكذب قطعاً، ورب حديث ضعيف يكون هو الصحيح، ورب رجل متهم يكون هو الرجل الثقة
وأما الإجماع فقد اختلف في أمره، حتى قال فيه أحمد بن حنبل رضي الله عنه:(من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس قد اختلفوا، ولكن يقول لا نعلم الناس اختلفوا إذا لم يبلغه)؛ وقد حمل بعض فقهاء الحنابلة ذلك على غير إجماع الصحابة، أما إجماعهم فحجة معلوم تصوره، لكون المجمعين ثمة في قلة، أما بعدهم فأنهم في انتشار وكثرة، وكذلك نقل عن الشافعي ما يفيد أنه لا يقول بوجوده إلا في الفرض الذي لا يسع أحداً جهله، من الصلوات والزكوات وتحريم الحرام، وأما علم الخاصة الذي لا يضير العوام جهله، فيقول فيه نحو ما قاله أحمد بن حنبل
وقد اتفقوا جميعاً على أنه لا يد من استناد الإجماع إلى نص من كتاب أو سنة، وإذا كان هذا شأنه معهما فلا يكون لعده من أصول الاجتهاد شأن كبير بعدهما، على أنا إذا أبقيناه الآن بين هذه الأصول، وأردنا أن نرجع إليه فيما نروم من فتح باب الاجتهاد، فسنجد أنفسنا أمام الإجماع لأهل السنة، وأمام إجماع ثان يغايره للشيعة، وأمام إجماع ثالث يغايرهما للخوارج، وهلم جرا، وإني أوثر أن نقف وجهاً لوجه أمام النصوص التي لابد من استناد الإجماع إليها، على أن نقف جامدين أمام هذه الاجماعات المتعددة، فمن الممكن معالجة هذه النصوص بتأويل أو غيره، ومن الممكن الجمع بينها بوجه من الوجوه التي