ويظهر أن قبيلة (أسلم) التي ينتسب إليها تقي الدين لو تظل متميزة في مصر كما كان بعض القبائل الأخرى، بل اندمجت في المصريين وذهبت فيهم، ولعله لهذا السبب لم يذكرها المقريزي في رسالته (البيان والإعراب) بين القبائل التي بنى عليها رسالته. وإنما بقي نسب بيت السبكي معروفاً لمكانته الاجتماعية التي سنشير إليها. والحق أن ذلك البيت كان بيتاً مصرياً صميماً انطبع بالروح المصرية وسرت فيه، كما ظهر ذلك جلياً في المقدمة الجميلة التي كتبها أحد أفراد هذا البيت: بهاء الدين أبو حامد أحمد بن تقي الدين السبكي لشرحه على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني. فقد كتب فيها فصلا عن مصر وطبيعتها ومزاجها وأثرها في أهلها. كما يبدو ذلك في عاطفة الشيخ تقي الدين نحوها حينما كان يتولى قضاء القضاة في الشام، فقد كان يتمنى أن يأتيه أجله في مصر: أمنية من ثلاث
أما مكانة هذا البيت الاجتماعية فيظهر أن منصب الوزارة كان فيه، فقد قرن اسم جد تقي الدين الثاني كما جاء في سلسلة النسب الذي أثبته شرف الدين الدمياطي، بلقب الوزير. كما أشار إلى ذلك ابن فضل الله العمري فيما كتب عن الشيخ تقي الدين. فقال:
(. . . ثم خرج من بيت الوزارة حيث تتقامر النجوم، وتتناصر ثم تتناصف الخصوم)
وهكذا نرى أنه قد أتيح لشيخنا الجليل عرق في الشرف راسخ، ومكان في المجد باذخ، وأنه قد أمدته في حياته وراثة نبيلة، وأعانته من قومه مكانة جليلة. إلى بيئة علمية خالصة ترى في العلم وحده المثل الأعلى والغاية المثلى، فقد كان أبوه زين الدين عبد الكافي السبكي من علماء العصر وفضلائه، وكان قد أدرك الإمام الكبير تقي الدين ابن دقيق العيد وصحبه وأخذ عنه وتأثر به؛ وكان ذلك الإمام آية عصره في سعة العلم ونفاذ البصيرة وقوة الخلق، حتى يقول تاج الدين السبكي في طبقاته:(ولم ندرك أحداً من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة المشار إليه في الحديث المصطفوي النبوي) وقد عرض عليه قضاء القضاة في مصر، وناهيك به منصبا، فتأبى وتمنع واستعصم بخلقه القوي وإيمانه المتين. ولكنهم مازالوا به حتى قبل، وإذا صار قاضي القضاة كان لابد له في دينه وورعه أن يتحرى جهده في تعيين نوابه على الأقاليم من صفوة العلماء. فكان زين الدين السبكي من أعيان نوابه كما كان من أعيان أصحابه: ولاه قضاء الشرقية والغربية