للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مبطئ ولا متثاقل، بل أشهد لقد كان يكاد يتمزح نشاطا ومرحاً، ولقد كنت أتهيأ للكبح من جماحه والرد من نشاطه، وأخذه بكثير جداً من الأناة والقصد كما تعودت دائماً، ولكني لم أكد أعرض عليه ما كنت أريد أن يعينني على الأخذ فيه حتى كفكف من نشاطه، واتأد في غلوائه، وابتسم ابتسامة الهادئ المطمئن، وقال في صوت الراضي الرزين في غير عجز مؤلم، ولا قصور موئس: (إليك عني فلست مما تريد في شيء). ذلك أني كنت أريده على أن يمدني بما أصور به فصلاً من حياة النبي الكريم في هذه الأيام التي يذكر فيها المسلمون أكبر حدث من أحداثهم، وأعظم عبرة من عبرهم، والتي يعود فيها المسلمون قروناً طوالا من الزمان ليشهدوا ذلك اليوم العظيم الذي خرج فيه النبي وصديقه الصديق من مكة مهاجرين إلى الله بآمال سيفنى الزمان قبل أن تفنى، وإيمان سيزول هذا العالم قبل أن يدركه ضعف ويسعى إليه فتور، وثقة بنصر الله عاشت عليها الأجيال التي لا تحصى، وستعيش عليها الأجيال التي لا تحصى، وسيستمد المسلمون منها أبدا قوة على الجد والكد. واستقبال الحياة بما فيها من خير وشر، ومن حلو ومر، ومن محنة ونعمة

نعم دعوته أيها الأخ العزيز إلى أن يلهمني بعض ما تعود أن يوحي إلي من الصور فأعرض في غير غضب، وامتنع في غير بخل، وألح في الأعراض والامتناع، فلما ألححت عليه تبينت منه الاستحياء وإيثار العافية، والضن بنفسه على ما لا يحسن، وتجنيبها ما لا يطيق. وإذا هو يقول لي في لهجة الهادئ المطمئن: استعني فيما شئت، فقد عرفت قدرتي على الاختراع والابتكار، وحسن بلائي في لبس الحق بالباطل حتى يصبح زينة كله، ولكن من الحق ما هو أرفع من أن أسمو إليه مهما أكن قوي الجناح، وأوضح من أن أجليه مهما أكن قوي النور، وأسطع من أن أوضحه مهما أكن نافذاً بعيد الهم، وأنصح من أن أزينه مهما أكن ماهراً في اختراع الزينة وابتكار الجمال

ولئن حدثتك عن هذا الرجل الكامل لأحدثنك حديث العقل، أستغفر الله، فما يستطيع العقل أن يحدثك عنه كما يجب، لأنه أكرم وأرفع وأرقى من أن يبلغه العقل، كما أنه أكرم وأرفع وأرقى من أن يبلغه الخيال. اجتهد في أن تتمثل ما أتيح للناس أن يعرفوا من حياته، ثم انظر فيه واستمد منه فلست محتاجاً مع ذلك إلى معونة عقل أو خيال

انظر إلى الناحية الحزينة من حياته، واقصص على نفسك أطرافاً منها، فإن لم تملأ قلبك

<<  <  ج:
ص:  >  >>