سكوت المشترع الذي لا يريد من الكلمة إلا عملها حين يتكلم. وكان في سكوته كلام كثير في فلسفة الإرادة والحرية والتطور وأن لابد أن يتحول القوم وأن لابد أن يتفطَّر هذا الشجرُ الأجردُ من ورق جديدٍ أخضرَ ينمو بالحياة
لم يتسخط ولم يقل شيئاً وكان كالصانع الذي لا يردّ على خطأ الآلة بسخط ولا يأس بل بإرسال يده في إصلاحها
قالوا: ورأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من السفهاء فتحركت له رَحُمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عدَّاس، فقالا له: خذ قِطْفاً من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما وضع يده قال: بسم الله، ثم أكل؛ فنظر عداس إلى وجهه ثم قال: والله إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلدة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟
قال: أنا نصراني وأنا رجل من أهل نيَنَوى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس ابن متي. قال: وما يدريك ما يونس بن متي؟ قال صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي
فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه ورجليه
يا عجباً لرموز القدر في هذه القصة
لقد أسرع الخير والكرامة والإجلال فأقبلت تعتذر عن الشر والسفاهة والطيش، وجاءت القبلات بعد كلمات العداوة
وكان ابنا ربيعة من ألد أعداء الإسلام، وممن مشوا إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم من أشراف قريش يسألونه أن يكفَّه عنهم أو يخليَ بينهم وبينه، أو ينازلوه وإياه حتى يهلك أحد الفريقين، فانقلبت الغريزة الوحشية إلى معناها الإنساني الذي جاء به الدين لأن المستقبل الديني للفكر لا للغريزة
وجاءت النصرانية تعانق الإسلام وتعزُّه إذ الدين الصحيح من الدين الصحيح كالأخ من أخيه، غير أن نسب الاخوة الدمُ ونسب الأديان العقل
ثم أتم القدر رمزه في هذه القصة، بقِطف العنب سائغاً عذباً مملوءا حلاوة؛ فباسم الله كان