على مائدتكم فسلوهم عن ذلك فسألوا، فقال سفيان الثوري رحمه الله: فيها قضى عليّ رضي الله عنه: على كل واحد من الزوجين المهر وعلى كل واحدة منهما العدّة فإذا انقضت عدّتها دخل بها زوجها، وأبو حنيفة رحمه الله ينكت بإصبعه على طرف المائدة كالمفكر في شيء، فقال من إلى جنبه أبرز ما عندك، هل عندك شيء آخر، فغضب سفيان الثوري رحمه الله، فقال ماذا يكون عنده بعد قضاء عليّ رضي الله عنه، يعني في الوطء بالشبهة. فقال أبو حنيفة رحمه الله: عليّ بالزوجين، فأتي بهما فسأل كل واحد منهما: هل تعجبك المرأة التي دخلت بها؟ قال نعم، ثم قال لكل واحد منهما طلّق امرأتك تطليقة فطلّقها، ثم زوّج من كل واحد منهما المرأة التي دخل بها، وقال قوما إلى أهلكما على بركة الله تعالى. فقال سفيان رحمه الله: ما هذا الذي صنعت. فقال: أحسن الوجوه وأقربها إلى الألفة وأبعدها عن العداوة، أرأيت لو صبر كل واحد منهما حتى تنقضي العدّة أما كان يبقى في قلب كل واحد منهما شيء بدخول أخيه بزوجته. . . فعجبوا من فطنة أبي حنيفة رحمه الله وحسن تأمله). والفرق بين المسألة الفقهية في الأولى والقصة الروائية في الثانية واضح. ومن المهم أن نعرف أن مثل هذه الحكايات الرامية إلى تعظيم أبي حنيفة قد استطاع معاصرو الشيباني من إذاعتها حتى يعيبها هو. وليست الحكاية هذه الحكاية بالوحيدة من نوعها، بل توجد أخرى تشبهها كل الشبه. فالشيباني يروي في كتابه المذكور ما يلي:
(حدثني حفص بن عمر أن رجلا أتى أبا حنيفة ليلا فقال إني كنت مع امرأتي. . . إذ تغضبت علي. . . فأبت أن تكلمني فقلت لها أنت طالق لئن لم تكلميني الليلة. . . فأبت أن تكلمني. . . وأخاف أن يطلع الفجر ولم تكلمني فتذهب مني. فقال أبو حنيفة ما أجد لك من حيلة إلا في خصلة واحدة. . . اذهب فقل لها تذكرين أنك عربية وأني إنما خرجت الساعة فسألت عن أبويك فإذا أمك نبطية. فأتاه فقال: يا عدوة الله الخ. فقالت: كذبت والله.) وهاهو ذا السرخسي أيضاً يورد لهذه الحكاية صورة روائية محضة: (أنه قال للرجل ارجع إلى بيتك حتى آتي بيتك فأتشفع لك فرجع إلى بيته وجاء أبو حنيفة رحمه الله في أثره وصعد مئذنة محلته وأذّن فظنّت المرأة أن الفجر قد طلع. فقالت: الحمد لله الذي نجاني منك. فجاء أبو حنيفة رحمه الله إلى الباب وقال قد برت يمينك وأنا الذي أذنت أذان بلال رضي الله عنه في نصف الليل). ولا يسعنا أن نشك في أن الصيغة الأولى لهذه تاريخية والأخرى