قد توخا الغرض وهو شاعر بذلك كل الشعور. أما في المذهب العراقي فواضح أن أبا حنيفة يشغل من حيث تطوّر آرائه مكاناً أقل شأناً بكثير من مكانة أصحابه أبى يوسف وزفر ومحمد بن الحسن الشيباني. وإنما يرد ذكرهم كثيراً على هذا الترتيب في الكتب الأقدم عهداً؛ وانمحاء ذكر زفر وثبوت ثالوث أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وكذلك وضع قواعد للإيثار عند الاختيار بين آرائهم المختلفة - كل هذا يرجع تاريخه إلى عهد متأخر نسبياً. وليس لأبي حنيفة فيما عدا الفقه الأكبر - وهو عقيدة وجيزة ذات روايات مختلفة بعضها موضوعة ولكن واحدة منها صحيحة - ليس له فيما عدا ذلك كتاب صحيح من تأليفه؛ لأن مسانيد أبي حنيفة قد جُمعت فيما بعد من أحاديث وردت في كتب أصحابه؛ والأقوال الواردة عنه في مؤلفات تلاميذه لا يتجاوز غالبها المراجعات العامة، يسندون بها إليه آراءهم الشخصية، وهذا يحمل على افتراض أنه لا يرجع إلى اجتهاد أبي حنيفة الشخصي من تفاصيل المذهب الحنفي إلا شيء قليل
وعلى الرغم من ذلك فأن المصادفة السعيدة قد مكنتنا من أن ندرك على الأقل ناحية من شخصيته التشريعية. فقد حكى محمد ابن الحسن الشيباني في كتابه المسمى بالمخارج في الحيل ما يأتي:(سئل أبو حنيفة عن أخوين تزوجا أختين فزفت كل واحدة منهما إلى زوج أختها ولم يعلموا حتى أصبحوا فذكر ذلك لأبي حنيفة وطلبوا الحيلة فيه فقال أبو حنيفة (ليطلق كل واحد من الأخوين امرأته تطليقة ثم يتزوج كل واحد منهما المرأة التي دخل بها مكانها فيكون ذلك جائزاً لأنها منه في عدة ولا عدة عليها من الزوج الأول). قال محمد وقد جاء في هذا حديث عيبناه). ولا يسع أحداً أن يزعم أن هذه الحكاية ليست إلا افتراء موضوعا أريد به تعظيم حكمة أبي حنيفة، لأن عين ذلك الجواب موجود أيضا في كتاب الآثار لنفس المؤلف مروياً عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي. وأما الحديث الآخر الذي عابه الشيباني نفسه فقد احتفظ به شمس الأئمة السرخسي في كتاب المبسوط قال فيه (ذُكر لهذه المسألة حكاية أنها وقعت لبعض الأشراف بالكوفة، وكان قد جمع الفقهاء رحمهم الله لوليمته وفيهم أبو حنيفة رحمه الله وكان في عداد الشبان يومئذ، فكانوا جالسين على المائدة إذ سمعوا ولولة النساء، فقيل ماذا أصابهن، فذكروا أنهم غلطوا فأدخلوا امرأة كل واحد منهما على صاحبه ودخل كل واحد منهما بالتي أدخلت عليه، فقالوا إن العلماء